استفاضت المعاجم اللغوية في تفصيل كلمة (عنوان)، ومما ورد في معجم (لسان العرب) لابن منظور (711ه)، هذا النص: «وعَنَنْتُ الكتابَ وأَعْنَنْتُه لِكَذَا، أَي عَرَّضْتُه لَهُ، وصرَفْته إِليه. وعَنَّ الكِتابَ يَعُنُّه عَنّاً وعَنَّنه: كَعَنْوَنَه، وعَنْوَنْتُه وعَلْوَنْتُه بِمَعْنًى وَاحِدٍ، مُشْتَقٌّ مِنَ المَعْنى»، وفي المعاجم الحديثة جاء في المعجم الوسيط ما نصّه: «عَنن الكتاب كتب عنوانه (...) عنون الكتاب عنونة، وعنواناً، كتب عنوانه. العنوان مَا يسْتَدلّ بِهِ على غَيره، ومنه عنوان الكتاب»، كما أشار (معجم اللغة العربية المعاصرة) إلى مثل هذه الدلالات، إذ جاء في مادة (عنون): «عَنونَ يعنون، عنونةً وعِنواناً، فهو معنون، والمفعول معنوَن. عنون الكتابَ: كتب عُنوانَه، عنون الرسالة، المنزل. عُنوان، عِنوان (مفرد): ج. عُنوانات (لغير المصدر): مصدر عنون. ما يستدل به على غيره (عنوان المنزل / المقالة / الكتاب)، يظهر الشيء من عنوانه: افتتاح الكلام دليل مضمونه. عناوين الأخبار: ملخّصها». من أجل ذلك كان العنوان عتبة أولى لقصد المتكلم، وهو مبدأ تواصلي مهم؛ لأنه يربط المخاطب ربطاً مباشراً بالمحتوى المقدّم له؛ ولهذا كان من احتفاء القدماء بالعنوان أنهم كانوا يرون فيه دليلاً على الرتبة الكلامية، أو المقام التخاطبي، إضافة إلى التعريف بالكاتب، والمكتوب إليه؛ لكي لا يكون الكتاب مجهولاً، وقد أكّد علي بن خلف الكاتب (المتوفى بين 350 - 450 ه تقريباً) في كتابه (مواد البيان) على ذلك في حديثه عن العنوان، حيث يقول: «العنوان كالعلامة، ودالّ على مرتبة الكاتب من المكاتب، فالأصل فيه الإخبار عن اسمَي الكاتب والمكتوب إليه؛ حتى لا يكون الكتاب مجهولاً». إن الاعتناء بالعنوان توضيحاً وتجميلاً هو من وسائل الاتصال الفعّال، ومن أشكال التأثير الناجع، وكلما كان العنوان رشيقاً، أنيقاً، ذا دلالة واضحة، وصورة مطربة، أسهم في صنع عنوان متميز، دال على المقصود، وملبٍّ لرغبة المخاطب وذوقه، ومن خلال هذه الغايات تتجلى قيمة العنوان في كونه مبدأ تواصلياً يستند على أصول علمية، وهو في الآن نفسه قيمة جمالية وذوقية ذات مقاصد عديدة، ودلالات مختلفة. ولا يُرجى من العنوان أن يكون مباشراً جداً في بيان دلالاته، وإن كان ذلك موصلاً للمعنى، ودالاًّ على الغرض المنشود، والهدف المقصود؛ ومن هنا كان حُسن العنوان من حسن مبناه ومعناه، فكلما كان متفق الشكل والمضمون كان أكثر جمالاً، وقد أكّد القدماء على هذا التوافق، على نحو ما صنع أبو منصور الثعالبي (ت429ه) عندما ألّف كتابه (فقه اللغة وسر العربية)، حيث قال في مقدمة الكتاب: «وقد اخترتُ لترجمته، وما أجعله عنوان معرفته، ما اختار - أدام الله - توفيقه من (فقه اللغة) وشفعته ب (سر العربية)؛ ليكون اسماً يوافق مسماه، ولفظاً يطابق معناه..». والعنوان الذي هو - كما يعرفه كثير من الباحثين والنقاد - : «تفسير لشيء ما»، قد يتلون بحسب معطياته التواصلية، والثقافية، والجمالية، والإشهارية؛ ولذلك أشار بعض المعاصرين إلى أن العنونة تقوم على «مجموعة من العمليات الذهنية، واللغوية، والجمالية المفتوحة على إمكانات واختيارات عديدة، يدخل فيها ما هو موضوعي، وما هو جمالي، وما هو تأويلي، وما هو تجاري، يقصد إغراء القارئ، وترويج الكتاب».