ورث العرب لغتهم صافية نقية بعد أن مرَّت عليها أطوار وعصور، وبقيت شامخة، وهي إحدى أهم اللغات السامية التي حافظت على روحها. ولقد اهتمت الأمم في عصورها الأولى بتصنيف المعاجم، ومن تلك الأمم الصينيون والآشوريون واليونانيون. وقد اهتم العرب بذلك بعد الفتوحات الإسلامية وسيادة اللغة العربية، وانتشارها في مناطق من العالم، ومن هنا كان التأثير والتأثر والتفاعل، كما دخلت أمم كثيرة في الإسلام، واختلط المسلمون بأقوام تنوعت عقائدهم ولغاتهم، وجاءت وحدة الدين لتعطي صفة فريدة، وتعلم الأعاجم العربية، وانتشر اللحن، وظهر الخطأ في التركيب اللغوي؛ فأخذ العلماء يعنون بجمع اللغة للمحافظة عليها، وقد كان ابن عباس - رضي الله عنه - هو أول حمل راية المعجم العربي؛ فقد كان يؤدي رسالة جليلة في شرح مفردات اللغة، ومعرفة غريبها ونوادرها ودلالات مفرداتها، ومعرفة أشعار العرب وحِكمهم وأمثالهم وخطبهم، فكان يفسّر لسائليه مفردات اللغة وكلماتها تفسيراً لغوياً دقيقاً. وأول من استعمل المعجم هم رجال الحديث، كما هو في صحيح البخاري؛ إذ وضعه على حروف المعجم، ورتب فيه أسماء الرجال على حروف المعجم، كما ألّف البغوي كتابيه في أسماء الصحابة (المعجم الكبير والمعجم الصغير)، ثم تبعهم بعد ذلك عدد من علماء اللغة، ومنهم الخليل بن أحمد الفراهيدي (100-170ه)؛ إذ ألّف كتابه العين، وهو أول معجم لغوي عربي، جمع فيه ألفاظ اللغة، وشرح معانيها، ورتبها ترتيباً علمياً، وكذا أبو عمرو الشيباني (94 - 206ه) ألّف كتباً عديدة في اللغة، منها (غريب الحديث) وكتاب (الجيم)، وقد جمع فيه كثيراً من مفردات اللغة. وكذا الجوهري ألّف معجمه (الصحاح)، وقد اعتمد عليه عدد من المؤلفين؛ إذ إنه دقيق بإيراد ما صح عنده رواية ودراية وسماعاً ومشافهة من أصحاب اللغة الأصلاء، ثم ألّف ابن السكيت (244ه) (إصلاح المنطق)، وألّف ابن قتيبة (213- 276ه) كتابه (أدب الكاتب)، وألّف الهمداني (321ه) كتابه (الألفاظ الكتابية)، وألّف القاسم بن سلام (157ه) كتباً عدة، منها (المذكر والمؤنث) (والمقصود والممدود)، وألّف ابن دريد الأزدي (223 - 321 ه) كتاب (الاشتقاق والجمهرة)، وألّف الإمام الأزهري (370ه) معجمه اللغوي (تهذيب اللغة) في خمسة عشر جزءاً، وألّف الثعالبي (429ه) كتابه المشهور (فقه اللغة)، كما ألّف ابن سيدة (458ه) كتابه (المخصص) في ثمانية عشر جزءاً، كما ألّف ابن فارس (329-395) كتابيه (مقاييس اللغة)، وكذا الفارابي ألّف (ديوان الأدب)، وأبو علي القالي له مؤلفات عدة، منها (المقصور والممدود والبارع)، وكذا (لسان العرب) لابن منظور (630 - 781ه)، والقاموس المحيط للفيروز أبادي (729 - 817ه) في أربعة أجزاء، (وتاج العروس) للزبيدي (1145- 1205ه)، وقد طبع في عشرة أجزاء، وغيرها مما لا يتسع المقام لحصره. وفي العصر الحديث ظهرت مجموعة من المعاجم الكثيرة، منها: * المنجد لمؤلفه لويس المعلوف. * المعجم الوسيط أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة. * محيط المحيط للبستاني. * أقرب الموارد للشرتوني، ومعجم ألفاظ القرآن الكريم. * كما أصدر مجمع اللغة العربية عدداً من المعاجم، منها: - كتاب (الجيم) للشيباني. - وكتاب الأدب للفارابي. - والتكملة والذيل للصاغاني، ومعجم ألفاظ القرآن الكريم والمعجم الكبير أكبر معاجم اللغة العربية والمعجم الوسيط والمعجم الوجيز. - والمعجم التاريخي والمعجم الحديث، وغيرها من المعاجم العلمية المتخصصة مما ظهر في العصر الحديث من المعاجم والموسوعات المختلفة حول ميادين الحياة كافة. وهذه المعجمات كثيرة التداول بين اللغويين والأدباء، وقد حاول كل مؤلف جديد أن يضيف شيئاً مغايراً لما فعله سابقوه. وبعد: وفي ظل السياسة التطويرية للمجمع اللغوي في القاهرة فقد عُقد مؤتمر موسع تحت عنوان (المعاجم حاضرها ومستقبلها)؛ وذلك لبحث مجموعة من القضايا التي تتعلق بالمعاجم اللغوية والعلمية، بحضور نخبة من الباحثين واللغويين. فقد تعددت المعاجم العربية، وتنوعت أهدافها وغاياتها واتجاهاتها، وتهدف جميعها إلى الحفاظ على اللغة العربية ونشرها وسبر أغوارها والارتباط بها. - عبدالله حمد الحقيل