على قدر ما بذله أوزفالد ديكرو 1973م من محاولات من أجل التأسيس لمقاربة تدمج التداولية داخل اللغة (الدلالة) على قدر ما بدا عليه من خيبة أملٍ في نهاية المطاف بعد شعوره بفشل مشروعه الذي لم يتسق وأسس نظريته في بعض حيثياتها. حاول ديكرو إثبات أنّ التوصيفات البنيوية في حجاجية النصوص يمكن لها أن تكون مفيدة وذات جدوى، متناسيًا أنّها غير كافية للانطلاق في الحجاج؛ لأنّها لا تحوي سببًا وظيفيا لاستعمال اللغة؛ حيث يتمحور الجانب النظري لدى ديكرو في الدلالة وفي التداولية بشكل جزئي، فهو لا يتخذ مقاربة تداولية خالصة، بل يجمع بين الدلالة والتداولية، ويطلق عليها التداولية المدمجة integrated pragmatics. ولأنّها تداولية فقد جاءت امتدادًا لنظرية الأفعال الكلامية ونظرية التلفظ، واستعان بنظريته تعدد الأصوات التي استوحاها من باختين في تفادٍ منه لظروف إنتاج الملفوظ؛ حيث رأى أنَّ الملفوظ ليس سوى إنجاز لتمظهر مخصوص من الفعل الكلامي بمعنى أنّه إنجاز قولي مصحوب بقصدية معينة تعتمد فيها الوقائع على المواضع من خلال وصفٍ منظّم للصورة التلفظية وعملية توجيهية قبل أن يتراجع عن هذه الفكرة الأخيرة. لقد تطلّع ديكرو إلى مقاربة تعمل فيها التداولية من خلال مخرجات المكوّن التركيبي تمامًا مثل الدلالة. وهذا ما يعني وفق منظور ديكرو أنَّ الحجاج يتخذ منحىً شكليا وأنَّ البنية اللغوية تحمل أبعادًا تداولية، وأنّ الأمر لا يتعلق بالمعطيات السياقية وبفعالية الملفوظ، فهي إذن مقاربة لسانية أو حجاج يعتمد على إمكانات اللغات الطبيعية ذاتها. ويمكن تفسيرها من خلال النظريات الدلالية التي تتخذ شكل المقلاع أو (Y) والتي تقوم على رصد علاقة الملفوظ بوضعية التلفظ. وبناء على ذلك، فالحجاج مسجل في نظام اللغة نفسها، وفي الجانب الأكثر لغويّة من البنية الكلامية التي سمّاها سيرل لاحقًا (المحتوى القضوي)، وهذا يعني أن التداولية المدمجة نظرية دلالية تدمج مظاهر التلفظ في اللسان. وليست مظاهر التلفظ في بعض وجوهها إلا عمليات حجاجية تندرج في الملفوظات فتُكيّف تأويلها وفق غاية المتكلم. وكون اللغة لها وظيفة حجاجية -بحسب ديكرو- فهذا يعني أنّ تحديد تسلسل الملفوظات لا يكون من خلال الوقائع المسجلة داخل الملفوظات فحسب، بل من خلال بنية الملفوظات نفسها عبر توظيفها. وديكرو لا يعطي أهمية كبيرة للوظيفة الإخبارية في اللغة بقدر اهتمامه بالوظيفة الحجاجيّة، ويُقدّم مثالاً لمقولتين للتفريق بينهما من خلال محتوى قضوي واحد؛ حيث إنّ القيمة الإخبارية لا تتأثر في كلا المقولتين، عدا أنّ القيمة الحجاجية تتأثر بوضوح: (ق) إنَّها الثامنة. (ق1) إنَّها الثامنة فقط. فالملفوظ في (ق) يمكن للمرء أن يتصوّر أنَّ قائله قصد: «ما زال الوقت مبكرًا»، إلا أنّه أيضًا يمكن له أن يتصوّر أنَّ قائله قصد: «استعجل، لقد تأخرنا»، في المقابل فإنَّ (ق1) من المستحيل أن يُتصوّر أن قائله قد قصد به: «استعجل، لقد تأخرنا»؛ حيث إنَّه سيبدو ملفوظا لاحنًا تداوليًا، ذاك أَنَّ مَنْ يسمعه سيفهم من المتكلّم مباشرة أنَّ «الوقت ما زال مبكرًا»، فالقيمة الحجاجية مختلفة للغاية بين الملفوظين في (ق) وفي (ق1)، أمّا القيمة الإخبارية فمتساوية ولا تُحدث تأثيرًا. وقد اعتمد ديكرو في بداية الأمر على المواضع التي لا تأخذ بحسب ديكرو طابعا عالميا، فهي ليست مسلّمة بالمعنى المنطقي الصارم؛ إذ إنَّها قابلة للحضور في سياقات تلفظية متعددة وتخضع لاختلاف الثقافات والمعتقدات والمجتمعات؛ لكنّه عمل على تحييدها لاحقًا لكونها لا تتسق مع فكرة التجرد عن المرجع الخارجي مستعيضًا عنها بمفهوم المصاحبة الدلالية التي تضمن ارتباط المقطعين دلاليًا في المقول (الكتلة الدلالية) وليس ارتباط السبب بالنتيجة. وبالرغم من إبداع ديكرو إلا أنَّ أعماله أفضت إلى نواقص تداولية تمثّلت في محوريّة المرجع الخارجي الذي من شأنه أن يُحدث فعاليةً في الحجاج، ومع ذلك فإنَّ إمكان تطبيقها ما زال قائمًا وخلاّقًا رغم أسفه.