بكل شغف، استمعت إلى لقاء العزيز أ. خالد مدخلي في حواره المباشر مع الكاتب والروائي أ. أسامة المسلم، هذه المقابلة تتجاوز كونها مجرد حديث استثنائي بين شخصين حاذقين يدفعان نحو الإلهام فحسب، إلى كونها تمثل درسا عميقا في عالم التقديم والكتابة الروائية، درس يترك أثره في النفس. فأنت في هذا المشهد يعتريك مفترق طرق من التصويبات المتقنة، تقديما، إلى التصدي الأنيق من خلال تحليل الوضع الأدبي في مجال الرواية وسلاسته على لسان الضيف الأديب الذي يبدو في ظاهره بسيطا لكن في عمق كلماته يكمن فكر متجدد وإلمام واسع وتجربة غنية وإصرار ومثابرة تجعله يتألق في المضمار الأدبي الذي يشقه باقتدار. بعد أن شاهدت هذا اللقاء وجدت نفسي في حيرة من مسألة؛ أيهما كان أكثر إبداعا، المقدم أم الضيف؟ في مراحل الحوار كان الأستاذ خالد يتظاهر بتوخي البساطة ويطرح أسئلة تبدو بريئة لكنها تدفع الأستاذ أسامة إلى تجاوز حدود التحفظ وتفتح أمامه نوافذ على عوالم غامضة حيث تكون الإضاءة فيها خافتة ومع ذلك تجذب الأنظار. وبعد حين، وكأنما لا يعرف المكان، يأخذ المضيف بيد الضيف إلى أماكن مليئة بأصوات غير مألوفة وكأنها رحلة تأخذك إلى عالم جديد. ما يثير أكثر هو تلك التأملات حول تحولات الأجيال وتغيرات الديموغرافيا وكيفية التعامل معها وفهمها والخروج بدروس مستخلصة من مشهد تجديد قوالب الرواية وعالمها الذي تحدث عنه الضيف. ومن تلك الجوانب المهمة أن الجيل الجديد هو القادر على التعامل مع هذه التحولات بينما تقع على عاتقنا نحن الجيل الحالي مهمة الإدراك والقبول مع محاولة التماهي معهم ولو جزئيا وقد يكون الأمر ليس يسيرا لكنه يحسب لنا نحن كجيل معاصر إنجازا إذا استطعنا تحقيقه سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. علينا أن نحتفي بكل نشاط عقلي أو بدني يمارسه الصغار أو الكبار مما يسهم في انصراف أو تنحية المجتمع عن شاشات الهواتف المحمولة ويفترض أن نجعل من هذا التوجه مصدر حفاوة وترحيب منقطع النظير. وهنا وقفة مع بعض الآراء المعتبرة التي تجد نفسها في موقف ملتبس بين أمرين؛ الأول يعتبر قراءة مراهق لسلسلة ضخمة من الروايات، قد تكون عملا غير محسوب ويحتاج إلى إشراف من قبل الكبار لتوجيه شغف المراهق المبكر نحو القراءة لمحتوى أكثر ثمرة وتحصيل معرفي. الرأي الآخر، يرى أن نفرح باندفاع الصغار نحو القراءة حتى وإن كانت اختياراتهم الأدبية أقل من حيث الثراء المعرفي، في سبيل أن يدفعهم هذا لاحقا نحو الشروع في القراءة المثرية، وقد أميل شخصيا إلى الرأي الأخير. ورغم هذا تظل أسئلة تتطلب منا التفكير العميق وتفتح آفاقا جديدة لفهم العلاقة بين الأجيال وتطورها في عالم الأدب حيث يبقى الحوار مستمرا والأفكار تتجدد مما يجعلنا نعيد النظر في كيفية تفاعلنا مع الأدب ومع بعضنا البعض. المحصلة؛ تبقى هذه النقاشات والتأملات جزءا من نسيج الحياة الأدبية في مملكة الألوان حيث تتداخل الأفكار وتتجدد الأجيال وتستمر الألوان في التدفق لتضيء دروب المعرفة والإبداع.