من شأن العاقل أن تكون هناك أهدافٌ يصبو إلى تحقيقها، وهي إما أهدافٌ قد تقرر لدى جميع الناس أنها مطلوبة، وإما أهدافٌ خاصةٌ ببعض الفئات من الناس وتعارفوا على العناية بها، وإما هدفٌ معينٌ اهتدى صاحبه إلى فكرته، وسعى إلى تجسيده على أرض الواقع، وإذا نجح في إنجازه صار به في عداد المبدعين، وتحقيق الأهداف -بجميع أنواعها- يحتاج إلى أسبابٍ لا بدَّ من الأخذ بها، وبتوفيق الله تعالى ثم ببذل تلك الأسباب يظهر تفاوت الناس في إنجازاتهم وكفاءتهم وجدارتهم لإناطة المهمات بهم، ومن تنكر للأسباب وانتظر أن تتحقق أهدافه بلا بذلٍ لها، أو بذلِ ما ليس بسببٍ موهماً نفسه أنه يتسبَّب، فقد أتى باباً من أبواب التواكل المذموم شرعاً وعرفاً، وغرَّته الأمانيُّ الكاذبة، وإن تمادى في ذلك أوشك أن لا يستفيق من سُبات الغفلة إلا وقد فات الأوان، وتعذر عليه بلوغ مقصده، وأقلُّ ما يواجهه من العواقب أن يذهب كثيرٌ من وقته هدراً، ويسبقه الذين سبقهم في التصدي لمثل هذا الهدف، فيراهم وقد أثمرت جهودهم، وما زال هو حيث وقفت به همته، ولي مع أدوات تحقيق الهدف وقفات: الأول: مما أرشدنا إليه نبينا صلى الله عليه وسلم وصية تتعلق بالعمل وأسباب إيتائه الثمار المرجوة، وتتعلق بالعامل وما ينبغي أن يتحلى به، وهذه الوصية من جوامع كلمه الشريفة، وقد اشتمل عليها حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»، أخرجه مسلم، فقد تضمنت هذه الجمل البديعة وصيةً إذا امتثلها الإنسان نجح وتحققت آماله في الدنيا والآخرة، وقد أتت هذه الوصية بمجمل الأسباب التي تتحقق بها الأهداف، وهي الاستعانة بالله وحرص الإنسان على ما ينفعه، وعدم العجز، وعدم التأسف على الماضي بالالتفات السلبي إلى الوراء المؤلم، كما تضمن هذا الحديث الثناء على المؤمن القوي بأنه خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ولا يمكنُ الإنسانَ أن تتحقق مصالح الدارين على يديه إلا بالإيمان والقوة، فقد اشتمل الحديث على الصفة العامة للناجح (المؤمن القوي)، وما يُذكر من الأسباب وراء هذا فإنما هو تفصيلٌ لهذا الإيجاز العظيم، وبيانٌ لجزئيات هذا المفهوم الكلي الشامل، ولو أراد الإنسان أن يضع على مكتبه عبارةً تُحفز على الإنجاز، يطالعها كل يوم لكان أولى ما يدونه: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز). الثانية: من الأسباب التي لا بد منها في تحقيق الأهداف الإخلاص للهدف، والصدق في الرغبة فيه، ومما يدل على حرص الإنسان على الهدف المثابرة على العمل لأجله، وعدم التخلي عنه عند أول عثرةٍ تعرض في سبيله، وإذا كان الهدف إسهاماً في معالي الأمور والإنجازات المعرفية والمعنوية، فمما يدل على كون الإنسان حريصاً عليه أن يجتهد في تحقق الجزئية التي يشتغل بها على يديه، لكن لا يمتعض من تحقق سائر الجزئيات على أيدي بقية أفراد المجتمع، ومن ادعى أنه حريصٌ على أمرٍ من الأمور، وساءه إنجاز غيره فيه فقد كذب، بل إن الحريص على هدفٍ سامٍ ولم يتيسر له من شأنه أن يحرِّضَ عليه من يَظنُّ به الكفاءة والأهلية للقيامِ به، وإذا بادر بهذا التوجيه واستجيب له فيه، فله مشاركةٌ في الأجر وفي الثناء الحسن على الإنجاز، وقد حفظ لنا التاريخ مبادرة بعض المحدثين المشكورةَ حين حرَّض أهل الحديث على جمعِ مختصرٍ في السنن، وبين الحضور الإمام البخاري فأُلهم رحمه الله تعالى جمع صحيحه الذي كان له من عظمة الشأن ما هو معروف. الثالثة: من أسباب تحقق الأهداف إعداد العدة اللازمة لكل هدفٍ بحسبه، وهذا من الحكمة، وقد ذكر بعض العلماء أن معنى الحكيم «الذي يضع الأمور في مواضعها، ويُعِدُّ لكلِّ شيءٍ عُدَّتَه، ومن أمثال العرب السائرة: «قبل الرَّمْي يُرَاشُ السهْم»، فمن لم يأخذ لهدفه أهبتَه لم يكن بصدد الإنجاز فيه، والعُدَّة اللازمة لهدف الإنسانِ تكونُ شأناً خاصّاً في الأهداف الخاصة، كادِّخاره ما يحتاج إليه لتوفير سكنه ومستقبل عياله، وتكون شأناً عامّاً في الهدف العامِّ، كبذله لما يجب عليه من الإسهام فيما يحقق المصلحة العامة، وذلك بالالتزام بالجماعة ووفائه للوطن، والتزامه بالأنظمة المرعية؛ فإنَّ هذه الأمورَ عدةٌ لا بد منها لتحقق الهدف العظيم المتمثل في استتباب الأمن، وعموم السّلم والاستقرار، وعيشِ الناس عِيشةً هنيئة كريمة.