شاهدت مرة برنامجاً وثائقياً في محطة تلفاز يابانية عن إحدى القبائل في أفريقيا، كان من عادات القبيلة المتوارثة أن الرجل إذا أراد أن يتزوج فعليه أن يصيد أسداً، وراح صناع البرنامج يحكون معاناة شاب شجاع يجوب البراري لسنوات وهو لا يستطيع أن يعثر على أسد ليصيده وبالتالي لم يتمكن من تحقيق حلمه بالزواج. ولم يكن ذلك المسكين يعلم أن الأسود لم تعد تعيش في الجوار بسبب التغيرات المناخية والظروف البيئية التي اضطرتها لمغادرة أرضها التي عاشت عليها أجدادها منذ قرون. وبعيداً عن الأسود والشاب الأفريقي صياد الأسود الطامح للزواج، ذكرتني هذا الحادثة بالمديرين الذين يعذبون موظفيهم بشروط تعجيزية وأهداف مستحيلة التحقيق ويحاسبونهم عليها حساباً عسيراً. وأسوأ ما في الأمر عندما يكون وضع هذه الأهداف التعجيزية بنية سيئة مبيتة وبهدف دفع الموظف للفشل وإسقاط تهم التقصير والعجز عليه، وهنا وللأمانة فالمسؤولية لا يجب أن تكون على الموظف بل على من وضع هذه الأهداف التعجيزية ووافق عليها. وأسوأ ما قد ينتج عن هذه الأهداف التعجيزية هو اندفاع الموظف أو فرق العمل لتحقيقها مهما كانت الطريقة غير نظامية أو فيها خداع تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة، ومن السيناريوهات السيئة هي التلاعب بالأرقام والإحصائيات والتقارير التي ترفع لتبدو ناجحة ومتميزة على الورق بينما الواقع غير ذلك تماماً. ومن نافلة القول إن هكذا سلوكيات ستكون عواقبها وخيمة جداً وفاتورتها عالية للغاية على المنظومة بكل عندما تظهر الحقائق. ولا بأس أن تكون هنالك أهداف طموحة ولكن لا بد أن تكون قابلة للقياس وقابلة للتحقيق مع توفير الأدوات والبيئة والشروط الداعمة لتحقيق ذلك الهدف. ولتبسيط المسألة، فمن غير المنطقي أن تأتي بفريق كرة قدم وتطالبه بتحقيق بطولة قارية بدون دعم مادي وتوفير لاعبين محترفين على أعلى المستويات العالمية ومدير فني متمرس. تخيل كيف سيكون حال هذا الفريق لو دخل المنافسة بميزانية ضعيفة ولاعبين عاديين ومدير فني ضعيف أمام فرق متسلحة بأعظم اللاعبين والممولين والفكر التدريبي والإداري، في هذه الحالة فيجب أن تقع المسؤولية على من وضع هدفاً مستحيلاً في ظل تلك الظروف. وبالمقابل، فقد يحصل في حالات نادرة أن يتمكن الموظف أو الشخص المعني من النجاح في التحدي وتحقيق الأهداف المستحيلة. وباختصار، من الجيد وضع أهداف طموحة ومستهدفات عالية، ولكن لا بد أن يقترن ذلك بتوفير الممكنات والدعم والموارد اللازمة لتحقيق تلك الأهداف، أما وضع المستهدفات التعجيزية بدون توفير الدعم لتحقيقها فهو جريمة إدارية يجب أن يحاسب عليها كل من تسبب بوقوعها...