في غرفة تطن آلاتها بصوت خفيض، تكاد تسمع إيقاع المفاتيح التي تنقر بانتظام، وفي منتصف القاعة تقف غريس هوبر، ضابط البحرية، وهي تنظر باهتمام في تيار لا ينتهي من التعليمات البرمجية على شاشتها. قالت عائدة لمكتبها: "يجب أن نجد طريقة أفضل". كانت ترى عدم الكفاءة بوضوح كما لو كانت تتسرب من كل سطر يكتبه المبرمجون. هناك فقط رأت المشكلة والحل معًا: لماذا لا نوجد لغة يفهمها البشر؟ مدفوعة بهذه الرؤية، أنشأت هوبر لغة كوبول في العام 1959، حيث حولت لغة البرمجة لتكون لغة متلائمة مع اللغة التجارية. كانت تعطي اللغة تعليمات لأجهزة الحاسب بصيغ يمكن لغير المبرمجين فهمها، هكذا كان الهدف على أقل تقدير. قبل فترة طويلة من هوبر، في أوائل القرن التاسع عشر، عملت آدا لوفليس، عالمة الرياضيات، مع تشارلز باباج على محركه التحليلي. قادت رؤى لوفليس إلى كتابة ما يعتبر أول خوارزمية مخصصة للتحكم بمحرك باباج التحليلي. أرسى عملها الرائد الأساس للبرمجة الحديثة، مدفوعاً بالحاجة إلى فهم الآلات المعقدة والتحكم فيها. قبل ظهور كوبول بسنوات في العام 1957، في مكاتب آي بي إم، كان جون باكوس يبحث عن لغة يمكنها تلبية متطلبات العلماء والمهندسين في حساباتهم الرياضية. كانت النتيجة هي فورتران، التي أنشئت لتبسيط ترميز المعادلات المعقدة، مما أحدث ثورة في الحوسبة العلمية. كانت المشكلة في الحالات التي دعت إلى تطوير لغة جديدة واضحة، كانت كل لغة أتت بعد ذلك تصمم لمعالجة مشكلات المجال التطبيقي الذي تنتمي إليه. كانت المشكلة في تصور جون مكارثي في كامبريدج مثلاً، هي إيجاد لغة للتلاعب بالرموز والمنطق الرياضي. أدى العمل الدؤوب إلى ساعات متأخرة من الليل إلى لغة (ليسب)، وهي اللغة التي شكلت الذكاء الاصطناعي، مدفوعة بالرغبة في جعل الآلات أذكى وأكثر قابلية للتكيف. مع تقدم التقنية واتساع استخدامها، زاد الطلب على البرمجيات وأصبح التحدي في الإنتاجية. فظهرت لغة البرمجة (جافا) التي تمتلك قدرات متعددة من أهمها أنها قابلة لإعادة الاستخدام على أنظمة مختلفة، باختلاف أنظمة تشغيلها. لكن الحاجة إلى إنتاجية أعلى ازدادت، وأصبحت البرمجيات أهم يوماً بعد يوم. لكن معادلة واحدة لم تتغير، ظلت لغات البرمجة تستجيب لمتطلبات الإنسان الذي يبرمج بها. ازدادت الحاجة إلى لغات أبسط فظهرت لغة (البايثون)، في وقت اتسع حضور البرمجة خارج نطاق المتخصصين، وأصبحت لغات البرمجة تزيد على 800 لغة بعد أن كانت تعد على الأصابع قبل أربعين سنة. عند المتخصصين في اللغات، يرون أن الحاجة للتعبير عن الذات وحاجة الإنسان إلى هوية تمثله وتعبر عنه، قد تكون من دوافع التنوع في اللغات المحكية بما في ذلك اللهجات. ما نراه اليوم من تعدد لغات البرمجة ربما يعبر عن حاجة ذاتية أعمق من متطلبات فنية فقط.