تأجلت الأسبوع الماضي رحلة العودة إلى القمر التي أعلنت ناسا عنها بعد انقطاع طويل عن رحلات من هذا النوع. فمنذ رحلات أبولو الشهيرة، على رأسها أبولو 11، في نهاية الستينات من القرن الميلادي الماضي، توقفت وكالة الفضاء الأمريكية عن إرسال مهمات جديدة إلى القمر. الرحلة الجديدة التي أطلق عليها (أرتمس)، استئناف للرحلات السابقة لدوافع علمية وسياسية استجدت في العقود الأخيرة. كانت الرحلة الأولى للنزول إلى القمر هي رحلة أبولو 11 الشهيرة. ومع كونها فتحت آفاقاً جديدة لعلاقة الإنسان بالفضاء، فقد فتحت آفاقاً جديدة في التقنية، والبرمجيات خصوصاً. ففي ذلك الوقت، كان الاهتمام التقني منصباً على صناعة العتاد باعتباره العنصر الأهم في المهمة. ورغم أن الخطأ الذي تسبب في فشل مهمة (البحار-1) كان برمجياً، إلا أن الاهتمام في صناعة البرمجيات ظل محدوداً. تغير الأمر في رحلة أبولو 11 لوجود رواد الفضاء على متنها. إضافة إلى فداحة الخطأ البرمجي الذي سيعرض سلامة رواد المركبة للخطر، فإن على البرنامج أن يلبي متطلبات القيادة والتحكم من داخل المركبة وليس من مركز التحكم على الأرض. لذا كان على النظام الذي سينصب على المركبة أن يكون مختلفاً. أسندت مهمة قيادة فريق تطوير برمجيات المركبة إلى مارغريت هاميلتون. كانت حداثة سنها دلالة على حداثة المجال، وخلوه من الخبرات الطويلة، قبل أي شيء آخر. كونت مارغريت فريقاً كبيراً بلغ بنهاية المهمة 350 مبرمجاً، قدمت خلالها منهجاً جديداً في صناعة البرمجيات جعلها من رواد المجال الكبار. كانت الأخطاء البرمجية هاجساً لدى هاميلتون مما جعلها تفكر بمنهج جديد مبتكر لتطوير برمجيات مركبة أبولو 11. فقد كانت اللغة التي تطور بها المركبة معقدة في ذاتها، وتزداد تعقيداً مع نمو البرنامج حسب متطلبات المهمة. لمواجهة هذا التحدي، فقد ابتكرت برنامجاً يعمل وسيطاً بين البرنامج الذي ينصب على المركبة والمبرمج وأطلقت عليه (المترجم). كانت لغات البرمجة العليا موجودة آنذاك، إنما الفرق الذي أدركته مبكراً، هو الحاجة إلى وسيط يختصر على المبرمج تكرار كتابة الأوامر المعقدة التي تولد الأخطاء. كان التحدي على الفريق أن ينتج نظاماً يعمل من المرة الأولى دون وجود فرصة لإعادة المحاولة. كان (المترجم) وسيلة مبتكرة لتجاوز أخطاء السهو والنسيان التي تسببت في فشل مهمات كثيرة سابقاً. يعد اليوم ابتكار هاميلتون الأول من نوعه في مجال التطوير المدفوع بالنماذج. وقد تحركت صناعة البرمجيات بعد ذلك في اتجاهات مختلفة لإنتاج لغات برمجية تعالج مشكلات التعقيد، إنما لم تصل إلى مستوى التجريد الأمثل حتى الآن. وبناء على القول الشهير لقريدي بووش: تاريخ هندسة البرمجيات سلسلة من التجريدات، فإن حلقة هاميلتون هي حلقة التجريد الأبرز في سلسلة هندسة البرمجيات.