أنت الآن مسؤول ذو صلاحيات واسعة في دولة من قارة أميركا الجنوبية، ولديك اجتماع مع نظرائك في الدول المجاورة لاتخاذ قرار مهم للقبض على زعيم عصابة خطيرة تمرست في تجارة المخدرات. في الحقيقة هنالك ثلاثة زعماء يقومون بأنشطة إجرامية في القارة، ولكن وبسبب الموارد المحدودة فيجب على مسؤولي مكافحة المخدرات في دول القارة وأنت منهم أن تقرروا أي زعيم منهم يجب أن يتم استهدافه ولماذا، أمامك خمس دقائق لتقرأ المعلومات المتاحة في الصفحات الخمس المرفقة عن الزعماء الثلاثة وخططهم المستقبلية ونشاطاتهم، يمكنك أن تدون ما شئت من الملاحظات ولكن سيتم سحب هذه الأوراق وعليك بعدها أن تجتمع مع نظرائك لاتخاذ القرار الحاسم. كان هذا جزءاً من برنامج تدريبي تنفيذي خضته في إحدى الجامعات الأوروبية، ما شدني لهذه التجربة المثيرة هو ما حصل في الاجتماع بعدها، تفاجأت بأن كل شخص من الحضور كان لديه معلومات مختلفة عن الآخرين، بكلمة أخرى الأوراق الخمسة التي قرأها كل منا كانت مختلفة في محتواها ومدى مصداقية المعلومات الواردة فيها، وخلال خمس عشرة دقيقة كان علينا أن نتخذ القرار حيال القبض على زعيم عصابة المخدرات، كان الهدف من هذه التجربة هو تعليمنا بشكل عملي أهمية الاستماع إلى الآراء المختلفة ووجهات النظر المتباينة للوصول إلى القرار الصحيح أو القرار الأفضل، فكما أن كل منا كان يملك معلومات مختلفة وقيمة حيال العصابات وأنشطتها، ففي الحياة الواقعية كل شخص في فريق العمل لديه خبراته وتجاربه التي يمكن أن تثري الحوار وتساعد في بناء تحليل أقوى ووجهة نظر أفضل. من غير المستغرب أن تجد مديرين ومسؤولين نرجسيين يستأثرون بالحديث وينفردون بالآراء دون إتاحة أي مجال للآخرين للنقاش أو طرح وجهات نظرهم، ولكن ينسى أو يتناسى هؤلاء أنهم بذلك قد يضيعون الكثير من الفرص على منظماتهم أو مشاريعهم التي يقودونها ويقتلون حس الولاء والانتماء لدى من يعمل معهم. في الواقع، من سمات القادة الناجحين القدرة على الإنصات للآخرين وتشجيعهم على تقديم ما لديهم في جو مريح وبيئة تحترم اختلاف وجهات النظر وتتعايش مع التنوع الثقافي واللغوي والذي لا يتعارض مع القيم والأخلاق، وكلما تقدم الانسان في العمر وزادت خبرته أصبح من الأصعب عليه أن يصبر ويستمع ويكون آخر من يتحدث في الاجتماع؛ لأنه وبكل بساطة إذا طرحت رأيك من البداية فسيكون من الصعب على الآخرين أن يتحدثوا بشفافية تامة وصدق دون مجاملة أو محاباة. بيد أنه من الطبيعي أن تكون هنالك مواقف تستدعي قرارات حاسمة وحازمة لمصلحة المنظمة من المدير ولو كانت محل اعتراض الكثيرين، ولكن هذا لا يتنافي مع الاستماع إلى المقترحات واتخاذ القرار النهائي وفق ما تقتضيه المصلحة. وأذكر صديقي السيد أوكودا كيكوؤو والذي أسس شركة كبيرة في اليابان ونجح كرائد أعمال على مدى عقود في اليابان، ولكنه قرر التنحي عن منصب الرئيس التنفيذي وانتقل ليكون رئيساً لمجلس الإدارة، وسألته ما أكثر ما يشغل بالك؟ فأجابني: "أحاول أن أتجنب الكلام قدر الإمكان وأعطي الفريق الشاب التمكين ليبادروا ويخطؤوا ويتعلموا وعاهدت نفسي أن لا أتدخل إلا في الحالات الطارئة جداً والتي تستدعي ذلك!". وباختصار، ليس القائد الناجح من يتكلم وحده ويفكر وحده ويصدر الأوامر وحده ويتصدر المشهد وحده، القائد الناجح من يستمع لفريقه، ويناقشهم، ويشاورهم في القرارات، ويدعمهم ويحتفل معهم بالنجاحات والإنجازات.