قبل فترة التقيت في مناسبة اجتماعية مع أحد زملاء الدراسة السعوديين الذين عاصرتهم في مرحلة معهد اللغة في اليابان. ولكن ومع اختلاف الجامعة واختلاف المسار المهني لكل منا انقطع التواصل بيننا تماما بعد تلك المرحلة. ورغم بقايا الود والألفة نظر إلي زميلي مبتسما وهو يقول: "التقينا وأعمارنا في الثمانية عشر، وها قد مرت ثمانية عشر عاما أخرى منذ افترقنا. لقد غدا كل منا شخصاً آخر تماما!". مقالة اليوم تتحدث عن أهمية الحفاظ على الصداقات مهما كانت الانشغالات.. لعل من أكثر النصائح التي أثرت في حياتي تلك التي تلقيتها من صديقي رئيس شركة (بي سي إن) اليابانية السيد (أوكودا كيكوؤو) الذي كنت أشكو إليه من كثرة انشغالات العمل التي حرمت المرء من أوقاته مع أصدقائه وزملائه، فقال لي ناصحاً :"لا تقلق، أصدقاؤك الحقيقيون سيبقون أصدقاؤك وسينتظرونك مهما طال الزمن!". وزرت الرجل في مكتبه منذ فترة فوجدت على الجدار لوحة كبيرة عليها صور وتذكارات وقصاصات. ولما سألته عن اللوحة قال لي: "بعد مرور 25 عاماً على تأسيس شركتي سألت نفسي: ما الذي جنيته من هذا العمل؟ هل هو المال؟ كلا.. هل هي الشهرة؟.. كلا.. وقتها أدركت أن أهم شيء حصلت عليه هو أصدقائي! ولذلك طلبت من أحد الفنانين أن يصمم لي هذه اللوحة التي تتضمن ذكرياتي مع الناس الذين أحبهم".. وبعيداً عن هذه اللوحة الشاعرية لصديقي الياباني، يرى خبير التسويق الأميركي نيل لويز في مقالته المنشورة بهارفارد بيزنس ريفيو بتاريخ 28/7/2017م أن الانغماس التام في العمل والانقطاع عن الأصدقاء لن تكون نتائجه إيجابية في نهاية المطاف. حيث تبين الدراسات أن من أكثر الأمور التي يندم عليها الكثير من المديرين والقادة وأشخاص الأعمال هي إهمال الصدقات والعلاقات الاجتماعية على حساب العمل. وفي الوقت الذي قد نمتلك فيه مئات وآلاف وأحيانا ملايين الأصدقاء والمتابعين في مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، فأصدقاء العالم الحقيقي قد لا يتجاوزون الأحد عشر، أما المقربون جداً جداً فهما اثنان فقط في المعدل العام. ويعطي د. لويز عددا من النصائح المهمة للحفاظ على الصداقات ومنها: المبادرة بالاتصال بالأصدقاء ولقاؤهم بين فترة وأخرى وعدم الاكتفاء بإعادة التغريدات والإعجابات. الحرص على تكوين صداقات جديدة. عمل أنشطة وبرامج مشتركة دورية مع الأصدقاء. وباختصار، فالنجاح المهني أو الأكاديمي يظل قاصراً إن لم يقترن بنجاحات على المستوى العائلي والاجتماعي والصحي. والناجح من استطاع أن يوازن بذكاء بين المتطلبات المختلفة خاصة في هذا الزمن، زمن الانشغالات المهولة.. فالأصدقاء الحقيقيون عملة نادرة ونعمة لا تقدر بثمن. وأختم المقالة بكلمة إسبانية جميلة تعلمتها من صديقي منذ أيام الأول ابتدائي والذي يعيش حالياً في جزر الكناري وهي (Amigos Para Siempre) وتعني أصدقاء للأبد..