ماذا لو أننا نعيش الحياة بكل رفاهية وأننا نعيش الرخاء على الدوام هل سندرك حقيقة تلك الحياة؟ ماذا لو أننا جميعنا أصحاء ولم نشعر يوماً بألم ولا مرض هل سندرك أهمية الصحة؟ بالطبع لا، فهناك قاعدة في علم الفلسفة تقول: الأشياء تعرف بأضدادها، أي لولا الظلام لما عرف النور، ولولا الباطل لما عرف الحق، ولولا وجود العسر لما كان لليسر معنى، وقس على ذلك.. أظهرَ ذلك جون روبرتس رئيس قضاة الولاياتالمتحدة في خطابٍ له يوم حفل تخرج ابنه قال فيه: "سامحني إن قلت لك أني أتمنى لك بعضاً من الظلم حتى تعرف قيمة العدالة، وآمل أن تتعرض للخيانة لتوقن أهمية الولاء، وأن تشعر بالوحدة من وقت لآخر حتى لا تعتقد بأن الأصدقاء سيكونون حولك بشكل دائم"، وأردف قائلاً "أتمنى لك حظاً تعيساً لتدرك دور التوفيق في الحياة ولتفهم بأن نجاحك ليس مستحقاً تماماً وأن فشل الآخرين لا يستحقونه بالكامل وعندما تخسر في كل مرة آمل أن يشمت خصمك بفشلك لكي تعي أهمية المنافسة الشريفة، وكما أود أن تعاني أكثر في هذه الحياة وتشعر بالألم حتى تعلم أهمية العطف والرحمة". هذا الخطاب الذي يملؤه الشؤم كما يعتبره البعض يختزل معاني كثيرة يجب معرفتها من قبل الفرد في مواجهة العقبات التي قد تواجه في المستقبل ومن شأنها أن توسع دائرة الإدارك، فالألم مجرد وسيلة للتعلم والنمو ومن خلاله من الممكن أن نتعلم الصبر والثبات والقوة. وليس من الضروري أن تتعرض للظلم مثلاً لتعرف معنى العدالة، كل ما عليك هو أن تمعن النظر في ما يدور حولك أو أن تتصفح كتب التاريخ ستجد أن هناك رجالاً كانوا مصداقاً للعدالة يقيمون الحق أينما وجدوا حتى لو كان على أنفسهم ولا يبخسوا الناس أشياءهم ويعطون كل ذي حق حقه، وعلى النقيض تجد عكس ذلك تماماً، ولكن علينا أن نستفيد قدر الإمكان من تلك النجاحات والإخفاقات والعقل البشري قادر على أن يميز بين حسن العدل وقبح الظلم. إن وجود هذه التناقضات في الحياة هي سنة كونية، فالتجربة والاعتبار عاملان قويان في صقل شخصية الفرد ومردودهما يعود بالنفع في الوقوف أمام صعوبات الحياة، فالحياة ليست مجرد لحظات من الفرح الدائم ولا الحزن المستمر بل هي مزيج بين هذا وذاك، فلا يمكن أن نقدر قيمة السعادة دون أن نحتمل الألم لأنه جزء من رحلتنا نحو السعادة، وثق تماماً بأن لا سعادة بلا ألم.