يقول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي في قصيدته إرادة الحياة ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر دائماً الوصول إلى القمة يحتاج إلى جلد وصبر والحياة برمتها تريد إرادة وعزيمة، ولهذا تفجرت العزائم من الشابي في هذا البيت لدوي في أذهان الناس ليكون دافعاً وحافزاً لمن ارتخت هممهم للوصول إلى المبتغى والهدف، فلا يمكنك عزيزي القارئ الوصول إلى الأهداف العليا السامية دون معاناة وصبر فالحياة تأتي بمنعرجات في الطريق وعثرات في الخطى لأن الوصول إلى التميز أمر لا يألفه إلا أصحاب الهمم وملتحفو الصبر والمتجاوزون لخطوط القناعة القاصرة والساعون نحو بوارق الأمل وإن بدت خافتة في وهلتها الأولى ومن يعتقد أن التميز أمر سهل المنال خاب رجاه وخسرت أمانيه وتحطمت آماله وخذل بجلد ذاته وارتد على عقبيه يقول الشاعر: وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا هذا البيت أصبح مثلاً سائراً بين الناس، وعليه يكون التميز محالاً على الخائرين والكسالى وسهل المنال على الطامحين المتجشمين بعناء السفر للوصول إليه فيصلوا وإن كان في مغيب الشمس ولا يحملون معهم إلا الأمل ورفيق الدرب (الصبر). من هنا قد أدرك الكثير من الناس ممن يبحث عن هذا المعنى أنه لابد أن يمتطي صهوة الصبر وأن يتحلى بالتؤدة والأناة، فإذا كان التميز معاناة وصبراً وجلداً، فإن الوصول إليه حتماً سيكون من خلال طريقه الوعر والشاق والمرير، وبالتالي الوصول إلى النهاية يعني معنى آخر ذا صبغة شعورية تعتري المتميز بمعناها الجديد ومن هنا نستطيع أن نعرف ونتعرف على أن التميز في واقعه الحقيقي شعور آخر مختلف يملأ القلب يؤدي إلى معنى يستلذ به. وعند هذه الحالة الشعورية الرائعة يتنفس الصعداء حال الوصول إلى التميز والشعور بالنشوة والارتقاء بالذات في حس شعوري معنوي رائع فتكون قد أطمأنت النفس وارتاح البال لهذا الإنجاز وإن كان لجانب واحد من جوانب الحياة، لأننا نعني بالتميز كل جوانب الحياة، فالبعض يرى أن التميز لا يكون إلا في التحصيل العلمي والدراسي فقط، وهذا قطعاً غير صحيح لأن هناك جوانب أخرى قد تميزك عن غيرك فإذا أخذنا جانب الفن والجمال فإن الرسام والخطاط والنحات وحتى الشاعر وغيرهم، يعيش التميز ذاته ونحن في الطرف الآخر ينالنا نصيب ونتذوق ما يعيشه المتميز بمعنى أن الجماليات ذات نفع متعدد فأصبح ذلك باعثاً للبهجة وشارح للصدر ومسراً للخاطر تزاحمت فيه الأفكار لتتلاقى في اتفاق ينبئنا عن ميلاد ميزة جديدة فاستحق على إثرها كلمة (هو مميز) ثم يأتي بعد ذلك المعنى بدوره هو الآخر حيث تتجلى جوانبه المعنوية فهو شعور ذاتي يكتنف الإنسان بل لا أبالغ إن قلت إنه يخرج الإنسان من رتابة الحياة اليومية في إعتاق دائم كلما عاش الفن نفسه. إن التميز شعور نفسي راق يظهر نفسه ويبان على التميز. إنه استقرار نفسي. في المقابل المرتقون على أكتاف الآخرين دون حضور المعاناة نفسها، فإن المعنى عندهم مفقود تماماً والشعور لديهم بهذا الحس لا معنى له، وبالتالي تراهم في تخبط دائم في البحث عن المعنى الحقيقي، وشعورهم دائماً أن أعين الناس تلفحهم هزءاً فهم لم يعرفوا صعوبة المعاناة في الوصول إلى التميز والشعور الرائع المتميز للمعنى وكل ما عندهم أن هناك حزمة ضوء دافعة لهم إلى تميز ممنوح كهبة غير مستحقة، وغيرهم هناك بارقة أمل وبشائر خير لا تنقطع بتطلع الواثقين إلى تميز مستحق لهم ومشرف.