المعرفة بمفهومها الفلسفي أمر حير الفلاسفة والعلماء حتى يومنا هذا؛ إلا أن المعرفة بمفهومها المعاصر تعتبر إحدى ركائزها المعرفة التكنولوجية والعلمية، وبذلك يتعدى المفهوم من معناه الفلسفي إلى معناه ومفهومه العلمي في خضم طغيان الآلة وعنصر المعلومات.. في الماضي القريب كان الاقتصاد يقوم على علوم تشكيل العملية الإنتاجية وهو لا يزال كذلك حتى يومنا هذا؛ إلا أنه مع التقدم التكنولوجي أصبحت علوم المعلومات تشكل العنصر الأساسي في هذا المجال. ولذلك أنشئت بنوك المعرفة في أغلب الدول، لتطوير هذا المجال. والفهم الصحيح في إدارة هذا العلم الذي أصبح يشكل الهم الرئيسي في اتجاهات الشباب الراهن أصبح ضرورة ملحة في تكوين العقل البشري إذا ما أردنا النهوض بالوعي المعرفي الذي يقود بدوره للوعي الاقتصادي وبعلومه المستحدثة. إنه مع تقدم الثورة المعلوماتية التي ظهرت في نهاية القرن العشرين، لم يعد بد من الدخول في ذلك السباق المحموم مع العالم المتقدم الغربي منه والشرقي، وهذا لن يتأتى إلا بالنهوض بالثروة البشرية التي يعدها البعض عبئاً ثقيلاً على بعض الأمم، في حين أنها تشكل رأس مال كبيراً، إذا ما تواكبت هذه الثورة المعرفية مع الثروة البشرية. ولذلك نستطيع القول: إن الثروة البشرية هي ذلك التقاطع المستمر مع الثروة المعرفية، فمن هنا أصبح المسار يمضي في خطوط متقاطعة لا نستطيع أن نجعلها تكون متوازية بأي حال من الأحوال، وإلا أصبحت الثروة البشرية عبئاً يؤدي إلى انهيار الدولة نفسها. ومن هذا المنطلق كان الاهتمام الأكبر بهذا العلم في المملكة العربية السعودية والتي أولته الدولة جُل هذا الاهتمام. ففي تقرير صادر من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم عام 2022 أنه «بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإيمائي، الذي يوفر بيانات موثقة تساعد البلدان وصناع القرار على فهم التحولات والتحديات الحقيقية وكيفية مواجهتها، واكتشاف آفاق المستقبل ومساراته الممكنة، حلول المملكة العربية السعودية في المرتبة الأولى عالمياً في نسبة السكان الذين يستخدمون الإنترنت، كما احتلت المملكة المرتبة الأولى في نسبة الأفراد الذين يمتلكون مهارات أساسية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات». ولم يكن ذلك بالأمر اليسير حيث إن المملكة قد وضعت هذا الهم المعرفي في صدارة مساراتها النهضوية وجعلت قيام الرقمنة على رأس هذا المجال، حتى أصبحت في وقتنا هذا دولة رقمية بامتياز في جميع مجالاتها، وقد تحقق ذلك بفضل بذل هذه الدولة لكي تكون في المصاف الأول بين كل الدول المتقدمة والناهضة والتي أصبحت هذه الدول تعمل جبراً في اعتمادها على ثورة المعلومات وعلم اقتصاد المعرفة والرقمنة والعلوم التكنولوجية، كما أنه لن ولم يتحقق لها ذلك إلا برأس المال البشري وبطموح الشباب ولهاثهم نحو كل جديد وعالمي نحو كل ما تحاول الدولة استثماره طواعية وحباً وكرامة وتحققاً. ففي التقرير سالف الذكر يقول: «ويعد مؤشر المعرفة إضافة مهمة للرصيد المعرفي العالمي المتعلق ببناء المؤشرات التنموية، إذ يشكل مرجعية عالمية تفيد صانعي السياسات والمعنيين بالتنمية والمعرفة فيما يتعلق بتقييم الواقع المعرفي إضافة إلى تسليط الضوء على أهم التحديات المعرفية التي تواجه بلدان العالم في مسيرة تحقيق التنمية المستدامة وأهداف رؤية سيدي محمد بن سلمان -حفظه الله- 2030». كما أنه ورد في إحدى الدراسات العلمية في هذا الصدد التأكيد على الاستثمار المعرفي في رأس المال البشري كما أسلفنا، كثروة تقود هذا العلم نحو اكتمال الحلقة في أوانٍ مستطرقة لا يكتفي الحد الأول منها إلا باكتمال الحد الآخر فتقول: «إنه التحول من مفهوم المؤسسة التقليدية إلى المؤسسة المعاصرة في إطار اقتصاد المعرفة يتطلب إعداد العنصر البشري الذي يعد كل تقدم في أي مؤسسة، فإذا توافرت القدرات مع الرغبة في إطار عمل منسجم ومتفاعل تصبح إدارة الموارد البشرية هي المدخل الاستراتيجي لإدارة أهم أصولها بغية تحقق الميزة التنافسية». والمعرفة بمفهومها الفلسفي أمر حير الفلاسفة والعلماء حتى يومنا هذا؛ إلا أن المعرفة بمفهومها المعاصر تعتبر إحدى ركائزها المعرفة التكنولوجية والعلمية، وبذلك يتعدى المفهوم من معناه الفلسفي إلى معناه ومفهومه العلمي في خضم طغيان الآلة وعنصر المعلومات واحتلال العلم المساحة الكبرى منه للأدب وبالتالي أصبحت العلوم هي أهم مرتكزات المعرفة في عصرنا الحالي «فمع بداية النصف الثاني من القرن العشرين تغيرت الكثير من المفاهيم، فمن الاهتمام برأس المال المادي إلى تركيز الاهتمام على رأس المال البشري». لكننا نجد أن الدول في هذا المضمار قد اتجهت إلى بنوك المعرفة وإلى كل العلوم التكنولوجية والمعرفية والعلمية، نجد بعضها يتغافل هذا الدور الكبير وهذه الثروة التي يجب تطويرها، فلن يتأتى ذلك إلا برغبة ملحة من الشباب في امتلاك ناصية هذه المعرفة والتي يجب على كل دولة طامحة في التقدم ومسايرة العالم في هذا الصدد جعل هذا العلم متاحاً ومجاناً، وإن أمكن أن تعطى حوافز وعوامل جذب لهؤلاء الشباب الذي يبحث عن وجود على الساحة المكتظة بلا طائل من البحث في شتى المجلات، والتي تؤرق شبابنا العربي اليوم، بل وتجعله يحوم في دائرة الفراغ المدمرة، وبذلك سيعكس العمل الإنساني والقضاء على البطالة والبحث عن عمل يقيم أود الأسرة في بعض الدول، بينما إذا ما توفرت لهم دخول من البذل لخوض هذا العلم المعرفي واستثماره فسيشكلون قوة ضاربة في صدر المستقبل الزاحف بلا هوادة، وذلك في الأداء المتمثل في التفكير والإبداع، وهو ما يعطي قيمة واضحة المعالم فيما يسمى علم اقتصاد المعرفة المبني على الفكر البشري بلا بديل.