إدارة تعليم المذنب تحتفي باليوم العالمي للطفل    مدالله مهدد ب «الإيقاف»    9 مهددون بالغياب أمام «الصين»    وزراء داخلية الخليج يبحثون التعاون الأمني المشترك    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    السائل النخاعي.. هل يصبح علاج «الشقيقة» ؟    «أتاكمز».. تحول أمريكي في حرب أوكرانيا    وزير العدل: القضاء السعودي يطبق النصوص النظامية على الوقائع المعروضة    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    1.88 تريليون ريال استثمارات سياحية في 15 عاماً    الصقور السعودية    «كوكتيل» هرج    مساهمات الأمم المتحدة في تأسيس القانون الدولي للفضاء    «المسيار» والوجبات السريعة    حمائية فاشلة !    هوساوي يعود للنصر.. والفريق جاهز للقادسية    الخليج يتطلع لنهائي آسيا أمام الدحيل    اكتشف شغفك    علاج فتق يحتوي 40 % من أحشاء سيدة    الاتحاد يستعيد "عوار" .. وبنزيما يواصل التأهيل    الغندور سفيرا للسعادة في الخليج    الدرعية تضع حجر الأساس لحي القرين الثقافي والمنطقة الشمالية    التواصل المعرفي يُشارك في فعاليات «فالداي» للحوار    فيتو أميركي ضد قرار بمجلس الأمن بشأن غزة    مهمة هوكشتاين في لبنان.. الترقب سيد الموقف    الإعراض عن الميسور    محافظ جدة يشرف أفراح الحصيني والقفيدي    «قرم النفود» في تحدٍ جديد على قناة «الواقع»    الكرملين: نسعى لإنهاء الحرب مع أوكرانيا.. بعد تحقيق أهدافنا    «بوابة الريح» صراع الشّك على مسرح التقنية    المنشآت العائلية تشكل 95% من الشركات بالمملكة    "سدايا" تطلق أداة التقييم الذاتي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي عبر منصة حوكمة البيانات الوطنية    في الجولة ال 11 من دوري روشن.. الهلال والأهلي في ضيافة الخليج والفيحاء    في مؤجلات الجولة الثامنة من" يلو".. قطبا حائل يواجهان الحزم والصفا    شراكة بين "طويق" و"مسك" لتمكين قدرات الشباب التقنية    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    مهرجان البحر الأحمر يعرض روائع سينمائية خالدة    دبلوم العلاقات العامة فوق الجامعي للمصور السنيد    الدوسري رئيساً للجنة العمالية في سابك    8.13 مليارات ريال إجمالي صادرات المملكة من الثروة الحيوانية    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    نواف إلى القفص الذهبي    الزميل أحمد بركات العرياني عريسا    إيطاليا تفرض عقوبات أشد صرامة على القيادة الخطرة    استهلاك عدد أقل من السجائر غير كافٍ للحد من الأضرار التي يتسبب بها التدخين    سعود بن بندر يستعرض تحول التعليم في الشرقية    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمريكا تسمح لأوكرانيا بالألغام الأرضية لإبطاء القوات الروسية    وصول الدفعة الأولى من ضيوف الملك للمدينة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    عبدالعزيز بن سعد بن يستقبل مدير مرور منطقة حائل السابق والمعين    تعزيز البنية التحتية الحضرية بأحدث التقنيات.. نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية    تحذير أممي من مستقبل قاتم بسبب استمرار حرب غزة    محافظ الطائف يستقبل الرئيس التنفيذي ل "الحياة الفطرية"    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي الذي تنازل عن قاتل أخيه    وزير الدفاع ونظيره الفرنسي يبحثان آفاق التعاون العسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعراض عن الميسور
نشر في الرياض يوم 21 - 11 - 2024

من الخطأ إعراض الإنسان عن الميسور في شؤونه، فمن الخطأ أن يعامل الناس هكذا، فيتجاهل جهود من بذل الميسور، ولا يعذره فيما عذره الله فيه، فيقلّل من شأن هذا ويسخر من ذاك؛ لأنهما لم يُنجِزا ما يرى أنّه الإنجاز المنشود..
لا بدَّ للإنسان من سعيٍ حثيثٍ في أمر معاده ومعاشه، وتقتضي الطبيعة البشريّةُ أن يكون الكسب الحاصل من هذا السعي متفاوتاً؛ لأن بين النفوس بوناً شاسعاً في الصفاء والاهتمامات، وبعض الناس أكثر جَلَداً وأطول نفَساً، لا تخور عزائمهم، ولا تثنيهم العقبات عن أهدافهم، كما أن هناك تفاوتاً كبيراً بين مستويات المصالح التي يرغب الناس في تحصيلها، والمفاسد التي يراد اجتنابها، فمن المصالح ما يسهل تحصيله، ومن المفاسد ما يندرئ بأدنى سعي، كما أن من الصنفين (المصالح والمفاسد) ما تتضافر الهمم للتعاون في شأنه؛ لعموم الحاجة إلى هذا التعاون، ويسر الجهد المبذول في ذلك، ومنها أمورٌ دقيقةٌ ومهماتٌ ساميةٌ تتقاصر دونها أغلب الهمم، ومن صَمَدَ للاعتناء بها لم يَسَعْ أغلبَ الناس مجاراتُه، كما قال القائل: "إذا عظم المطلوبُ قلَّ المساعدُ"، والموفّق من يبذل جهوده في الأعمال الصالحة التي ترضي ربّه، ويسعى في منافعه الخاصّة وفي منافع مجتمعه ووطنه، والمهمل من يتكاسل عن جميع ذلك، ويحتجُّ لتبرير إهماله بأن المساعيَ التي يرضاها لنفسه صعبةٌ، ولا يلتفت إلى ما هو ميسورٌ في متناول يده مما يعود عليه بالمنفعة في دينه ودنياه، ولي في خطورة الإعراض عن الميسور وقفات:
الأولى: معالي الأمور غير متعذرة ولا مستحيلة، لكن حكمة الله تعالى اقتضت أن تكون على قممٍ عاليةٍ، بحيث تكتنفها الكُلَفُ، وتحرسها المشقّات عن أن تكون مبتذلةً، وتبقى المنافسة عليها محصورة بين أهل الهمم السامية، وذوي العقول الراقية، وصدق من قال:
لولا المشقَّةُ ساد الناس كُلُّهُمُ ... الجودُ يُفقِرُ والإقدام قتّالُ
وأينما وُجدت فستصل إليها أيدي المثابرين؛ لتظهر الحكمة في رفع الله تعالى بعض عباده على بعضٍ درجاتٍ، وهذا الرفع شاملٌ في شؤون الدارينِ، فما من مزيةٍ ماديةٍ أو معنويةٍ إلا ولها مراتب، ورفعة هذه الدّرجات تبين تميُّز نائلها؛ لأن المزايا لا تتأتَّى دون تدبيرٍ ولا تسبُّبٍ ولا بذلٍ لأي جهد، بل إذا نظر المُنصفُ إلى أصحاب الدرجات العليا عرف أنهم مجتهدون في العمل والصيانة، وبذل ما يقتضيه ذلك من الجهود، ومن الخطأ الظنُّ بأن النّعمة تُخلي صاحبَها من مسؤوليّة السعي في جلب المصالح ودرء المفاسد، وهذا الظنُّ من المنطلقات الخاطئة التي ينطلق منها من يحسد الناسَ على ما أنعم الله به عليهم، فتجدهم يبتكرون أسباباً جانبيّةً خارجة عن دائرة السعي والتسبب، ويربطون بها نجاح النّاجح؛ لئلا يضطرّوا إلى الاعتراف بجهوده، وليجدوا عذراً لتكاسلهم وتقاعسهم عن الأسباب حتى الميسور منها.
الثّانية: من القواعد الشرعية المقررة: أن الميسور لا يسقط بالمعسور، فعلى الإنسان أن يجتهد في تذليل عقبات المعسور، فإن غلب عليه لم يُعرض عن الميسور، وهو معذور إذا أتى بميسوره، وهذا من لطف الله تعالى بعباده، والرخص الشرعية جارية في هذا الباب، كما أن للأعمال المكلفة ماديّاً بدائل أخرى معنويّة ميسورةٌ ليس دونها أيُّ عائق، وقد نبَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم على هذه الموازنة كما ورد في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ»، متفق عليه، ففي هذا الحديث ترغيبٌ في الصدقة، ولمّا كان الأصل فيها بذل المال نبّه على أن لها صوراً أيسر من بذل المال، فما عذر تاركها؟ والمعرضون عن الميسور يُناقضون هذه القاعدة، فيزهدون في الأعمال التي لا عائق دونها، ويرفضون الأسباب المؤدية إلى المقاصد ولو لم تسدّ أمامهم الأبواب، ويتخلون عن الميسور بلا أدنى عسرٍ يكتنفه، وقد يتحدث بعضهم عن الصعوبات المانعة من النجاح فتسمع جدلاً قويّاً، وأفكاراً مرتبةً لو سُخّرت للمصالح لجاءت بثمرةٍ.
الثالثة: كما أنه من الخطأ إعراض الإنسان عن الميسور في شؤونه، فمن الخطأ أن يعامل الناس هكذا، فيتجاهل جهود من بذل الميسور، ولا يعذره فيما عذره الله فيه، فيقلّل من شأن هذا ويسخر من ذاك؛ لأنهما لم يُنجِزا ما يرى أنّه الإنجاز المنشود، مع أنَّ مثل هذا التقييم لا يصدر إلا من أهل النقد الجائر، ومعلومٌ أنه لا منجاة من ألسنتهم، ولو أنجز الإنسانُ أقصى ما يُمكنه لم يسلم منهم، فالتحطيم جاهزٌ عندهم، ولا يُكلّفون أنفسهم مسؤولية الاطّلاع على تفاصيل ما ينتقدونه قبل إصدار الأحكام عليه، وقد ذمَّ الله تعالى سالكي هذا المنهج، فقال: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ)، وهو منهجٌ منافٍ للإنصاف ولواجب تحسين الظنِّ بالمسلمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.