في كتابه الرائع الذي حمل عنوان «The Case of the Bonsai Manager»، يروي «آر. جوبالاكريشنان» المدير التنفيذي الهندي للكثير من الشركات العالمية في الهند وبريطانيا والمملكة، هذه القصة الملهمة عن عشق اليابانيين للسمك الطازج: يُحب اليابانيون السمك الطازج كثيراً، فهو من أهم الأطباق التي يحرصون على تناولها دائماً. ومع هذا العشق الكبير للسمك الطازج، مضت السنوات وزاد عدد السكان، فلم تعد توجد أسماك بالقرب من شواطئ اليابان، لذلك ابتكر الصيادون اليابانيون حلاً لهذه المشكلة، حيث شيّدوا قوارب أكبر حجماً، وأبحروا بها لمسافات أطول لكي يصطادوا السمك. ولكن للأسف، لم يكن هذا الحل جيداً، فكلما ابتعدوا عن الشاطئ، أصبح طريق العودة إليه أطول، والأسماك لم تعد طازجة بسبب طول المسافة، واليابانيون يُحبون الأسماك الطازجة. للتغلب على هذه المشكلة، ابتكر الصيادون حلاً آخر، فقد وضعوا ثلاجات للتبريد في القوارب، ولكنّ اليابانيين أذكياء ويستطيعون التمييز بين السمك المثلّج والطازج، وهم بلا شك يُريدون الطازج، ولم تنجح هذه الخطة. فكّر الصيادون بطريقة مختلفة، فوضعوا أحواضاً للأسماك في القوارب، حيث يصطادون السمك من البحر، ويلقوه مباشرة في تلك الأحواض، وهكذا تكون الأسماك حية وطازجة. لكنه لم يكن الحل الأمثل، فحين تمتلئ الأحواض بالأسماك التي تقفز بعض الوقت مُحدثة حركات عنيفة، لكنها سرعان ما تستسلم لمصيرها، وتفقد رغبتها في الحركة ويضعف نشاطها، واليابانيون يُريدون سمكاً طازجاً وليس متراخياً. تعرضت تجارة الأسماك إلى ركود وخسائر، وهنا ابتكر الصيادون اليابانيون الحكماء حلاً عبقرياً لم يكن ليخطر على بال أحد: فهم لا يزالون يحتاجون إلى الإبحار لمسافات طويلة، ويمتلكون القوارب وأحواض الأسماك ذاتها، لكنّ هناك اختلافاً واحداً، سيُنهي المشكلة، وهو أن الصيادين وضعوا سمكة قرش صغيرة في كل حوض. سمكة القرش الصغيرة ستجعل الأسماك نشطة وتهرب إلى كل زاوية حتى لا يتم التهامها. سمكة القرش ستلتهم عدداً قليلاً من الأسماك، ولكن تهديدها المستمر سيُبقي الأسماك الأخرى نشطة وفي حركة دائمة، وستكون طازجة وقوية عند العودة للشاطئ، وهذا ما يُريده اليابانيون. ما يحدث للأسماك من تراخٍ وكسل وقلة حركة حينما تشعر بالأمان والاستقرار والسكينة، يحدث للبشر أيضاً. لا يوجد ما هو أكثر خطورة على الإنسان من بلوغ الهدف والوصول للقمة، حيث يجتاحه شعور بالأمان والرضا، فيظن بأنه قد وصل إلى «شاطئ الأمان» الذي تتكسر على صخوره الصلبة كل الأمواج العاتية. الشعور بالرضا الكامل وبالنجاح المبهر، وغياب الرغبة في مواصلة الطموح والتحدي، هو الذي يقود الإنسان لذلك الشاطئ المُخادع الذي يُغري عشّاقه ويُوهم رواده. شاطئ الأمان المزعوم، هو أشبه بمرآة مُكبرة، تُظهر الصور مُضخّمة، بل ولا تسعها المرآة. نعم، فالبحر الذي تعيش فيه الأسماك يُشبه كثيراً عالم البشر، في الكثير من ملامحه وتفاصيله. فنحن البشر، مهما كنا، بحاجة ملحة لسمكة قرش في بحر حياتنا. سمكة قرش، تقضّ مضاجعنا التي آثرت الراحة. سمكة قرش، ترفع سقف طموحاتنا التي أصابها الوهن. سمكة قرش، لا تجعلنا نستقر ونركن للراحة المخاتلة التي تُسقطنا في فخاخ الكسل والتراخي.