القدرة على التنظيم وتسيير الأمور وسط مساحة ضيقة ليس بالأمر السهل، وتزداد الصعوبة كون المستفيدين من جنسيات متعددة دخلوا البلد ويخفى عليهم الكثير من المعلومات وثقافة المجتمع. تلك الحقيقة تتجسد في أجواء الحج الذي يجمع الحجاج من كل فج عميق بالداخل، والخارج، والمساحة الضيقة التي يستخدمونها خلال تحركاتهم، وآلية التنظيم التي تسير بانسيابية عجيبة. هذا ولله الحمد بفضل الله ثم ما تقدمه حكومة خادم الحرمين الشريفين خلال موسم الحج في سبيل تسهيل المهمة والحفاظ على حجاج بيت الله وعودتهم لبلادهم سالمين غانمين. الجهود التي تقدمها الحكومة محل إشادة العالم بأسره عطفاً على قدرة التنظيم الدقيق والمدروس وتقديم أفضل الخدمات في مساحة صغيرة محاطة بالجبال الوعرة، ورغم تلك الصعوبات إلا أن العمل يجسد أفضل الصور والخطط التي تنفذ في هذه البقعة المباركة والتي أصبحت محل ثناء من عايش هذا الزخم ويتلمس حقيقته، بل أنها باتت نظرية تدرس في علم الزحام الذي يعد من أهم نماذج التقارب بين البشر، وهو ما يتجسد في واجهة الحج الذي ينطق بكل اللغات وجنودنا البواسل يتحدثون مع كل فئة بلغتها وكأن هذا الضيف يعيش وسط بلاده، يتفاعلون مع تصرف الحجاج بطريقة مثالية، ونظرا لأن الازدحام منظومة ليس لها هيكل ثابت أو متوقع، فيتكون لدى المتزاحمين نوع من الطواعية لقبول الأوامر وهذا ما نلمسه بين ضيوف الرحمن وجنودنا المنتشرين في أرجاء مكة، أطياف من كل مكان يسيرون بنهج واحد وتحت تنظيم في حدود ضيقة بحق أنها تستحق التوقف، فئات من جميع الثقافات، تتوافد لموسم الحج الذي يعد تجربة فريدة يستفسد منها كل بلد يعاني من عدم القدرة على تسيير آفاق الزحام التي يعيشها في بلاده غير أنها تتواجد في صفحات خارطة الحج التي يفعلها شبابنا وباتوا مثار إعجاب العالم. وتولي مملكتنا الحبيبة شعيرة الحج والعمرة اهتماما بالغا منذ توحيد البلاد على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه - ووضع جميع حكام هذا البلد المعطاء من بعده خدمة الحجاج والمعتمرين ورعاية شؤون الحرمين في مكةالمكرمة والمدينة المنورة محل اهتمامهم، ولتحقيق ذلك خصصت الدولة وزارة تُعنى بشؤون الحج والعمرة، وتنظيم القطاعات والإدارات العاملة في هذا المجال، علاوة على القطاعات الفاعلة الداخلية والصحة والدفاع والبقية جميعها يكون بينها تنسيق كل يسير نجاحاته بتناغم مع الجهات الأخرى التي تلتقي في قالب واحد وتنصهر في بوتقة النجاح.. ومن عظيم فضل الله أن اختارنا خداماً لبيته، ولذلك شاهدنا كل مواطن قريب أو بعيد من المناسك معززاً لجهود الدولة -حفظها الله- لأن المهمة ليست منصبة على عاتق جهة بعينها بقدر شموليتها للجميع؛ فكان تعاملنا مع حجاج بيت الله بخلق رفيع لكي نوصل رسالة من جميع الجوانب تنظيماً وتعاملاً أنهم ضيوفنا فكانت هناك صور انسانية عظيمة قدمها مواطنونا ومسؤولينا، وأوصلنا رسالة للعالم مفادها أن هذه البلاد مملكة الانسانية في كل الأحوال تحتضن القريب والبعيد، الجميع في ميزان واحد، وهذا ما لمسناه بفضل الله. وكانت التوعية منذ البداية حاضرة وواضحة من حكومتنا أنه على كل حاج أن يتفرغ لأداء عبادته ويبتعد عن الخوض في الأمور التي تؤجج الخلاف والشحناء والتباغض والتفرقة بين المسلمين امتثالًا لقوله عز وجل: { فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، ومراعاة ظروف كبار السن والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة، والتعاون مع الجهات الأمنية والخدمية باتباع الأنظمة والقوانين، والتي من بينها الحج بتصريح ومع المؤسسات المصرح لها وعدم مخالفة ذلك، فالتجاوز على الأنظمة والقوانين يعرض الشخص المخالف وغيره من الحجاج غير المخالفين للتعليمات والأنظمة للمخاطر والمشقة والتعب، ولقد صدر عن هيئة كبار العلماء بالمملكة "إن التحايل على التعليمات المنظمة للحج من قبل الدولة محرم".