يعتبر لبنان أنموذجاً فريداً من نوعه في العالم بفضل نظامه السياسي القائم على التوازن والتعايش بين مختلف الطوائف التي تشكل تركيبة البلاد السياسية، كما يعد تساوي الصلاحيات وتوزيع المناصب الرئاسية بين الطوائف اللبنانية إحدى الآليات التي تحافظ على هذا التوازن وتضمن استمرارية الدولة من خلال توزيعها ومشاركتها الحقيقية في مفاصل الدولة على أن يكون منصب رئاسة الجمهورية الذي يعهد به تقليدياً إلى المسيحيين (الموارنة) محور اهتمام هذا المقال، حيث سنبحث في الأهمية والدور المحدود الذي يلعبه ضمن النظام البرلماني اللبناني. توزيع المناصب الرئاسية وأسس النظام البرلماني تمثل التركيبة الطائفية في لبنان أساساً لتوزيع المناصب السياسية الرئيسة ضمن الدولة. هذا التوزيع من شأنه أن يضمن مشاركة جميع الطوائف في الحياة السياسية والقرارات الرئيسية للدولة، على الرغم من أن هذا النظام قد يبدو معقداً، إلا أنه يعكس الرغبة في الحفاظ على السلام الأهلي والتوازن الطائفي، وفي هذا السياق يتجلى منصب رئيس الجمهورية كرمز لوحدة البلاد واستقرارها، رغم أن صلاحياته تظل محدودة مقارنة بنظام رئاسي. إن رئيس الجمهورية في لبنان يتمتع بصلاحيات محددة تشريفية إلى حد كبير، فهو لا يملك السلطة التشريعية أو التنفيذية الواسعة التي قد يتمتع بها رؤساء في أنظمة أخرى، بدلاً من ذلك، يتم تعريف دوره بأنه حارس للدستور والوحدة الوطنية، وهو يعمل كوسيط بين السلطات السياسية المختلفة. هذه الصلاحيات المحدودة هي تعبير عن النظرة البرلمانية للحكم في لبنان؛ حيث يتمتع مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء بدور أكبر. الواقعية في اختيار رئيس الجمهورية نظراً للصلاحيات والدور المحدودين لرئيس الجمهورية، فإن الحكمة والواقعية يجب أن تكونا أساس اختياره، ولا شك أن الأمر لا يتطلب وضع شروط تعجيزية أو انتظار أمل خيالي بتغيير جذري من خلال هذا المنصب، فهو ليس عصا موسى السحرية أبداً، وإنما الفهم العميق للواقع اللبناني وتحدياته، بما في ذلك النظام الطائفي ومنظومة الفساد، يجب أن يقود إلى اختيار شخصية يمكنها تعزيز الاستقرار والحوار بين الطوائف المختلفة. رئاسة الجمهورية.. منصب فخري أكثر من كونه تنفيذياً يجسد منصب رئيس الجمهورية في لبنان مفهوم القيادة الفخرية أكثر من القيادة التنفيذية، وهو أمر فرضته تركيبة البلد، فهو منصب يعبر عن الوحدة الوطنية والتوازن بين مكونات المجتمع اللبناني المتعدد. فيجب أن ينظر إلى الرئيس كرمز للدولة ومحافظ على الدستور، وليس كمنقذ قادر على تغيير الأوضاع السياسية أو الاقتصادية بشكل فوري. هذه النظرة تؤكد على أهمية اختيار رئيس يحظى بالاحترام والقبول من مختلف الأطراف. في ظل الظروف السياسية والطائفية الدقيقة في لبنان، يبرز منصب رئيس الجمهورية كعنصر محوري في الحفاظ على الاستقرار والوحدة الوطنية. مع ذلك، من الضروري الإدراك بأن صلاحياته المحدودة تتطلب نهجاً معتدلاً وواقعياً في عملية الانتخاب، ويجب التركيز على الحكمة والواقعية بدلاً من البحث عن حلول سحرية للتحديات التي يواجهها لبنان. فمن خلال هذا الفهم والتوجه يمكن فقط تحقيق الاستقرار وتعزيز الحوار بين مكونات المجتمع اللبناني.