رأى الصحفي الأمريكي والكاتب في نيويورك تايمز توماس فريدمان، ذات مرة، أن سلسلة توريد أشباه الموصلات يمكن اعتبارها مثالاً يعتد به لنجاح العولمة، حيث يؤدي الاعتماد المتبادل على هذه الأشباه إلى السلام والرخاء، وحسن العلاقة بين الدول، ولكن مثلما نرى، فإن اعتقاد فريدمان، قد تحول إلى عكس ما كان يراه. فأشباه الموصلات تعتبر اليوم ليس أداة للتقدم والرخاء فقط، وإنما سلاح تشهره الدول في وجه بعضها البعض. بالمثل، فإن الرئيس الروسي يوم الأربعاء الماضي في الحوار الذي أجراه مع ممثلي وسائل الإعلام العالمية، قد تهكم على تحويل الولاياتالمتحدة لعملتها إلى وسيلة للعقوبات وسلاح تشهره في وجه كل من لا يروق لها. فالدولار مثله مثل أشباه المواصلات، يتجه لتغيير دوره في العولمة المسطحة ليتحول من وسيلة لدعم التجارة وتدفق الاستثمارات بين كافة بلدان العالم- أي وسيلة للسلام والرخاء- إلى أداة عقاب للنيل من كل من لا يروق للوطن الأم لهذه العملة العالمية. وتهكم الرئيس الروسي ليس بلا أساس-فاستخدام الولاياتالمتحدة لعملتها كسلاح عقوبات من شأنه أن يلحق الأذى بالعملة التي تعتمد عليها من أجل تقدمها وازدهارها. فخوف بلدان العالم من استخدام الدولار كوسيلة عقاب ضدهم سوف يدفعهم لتقليل الاعتماد على هذه العملة، كوسيلة لدفع مشترياتهم بها- وأهمها بالتأكيد مشتريات النفط. إن أهم ميزات أي عملة في العالم، هي كونها وسيلة للادخار وأداة لتسوية عمليات الدفع خلال البيع والشراء. والدولار منذ اتفاقية بريتون وودز Bretton Woods، التي تم التوقيع عليها عام 1944 في غابات بريتون في نيوها مبشر بالولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1944 بحضور ممثلون ل44 دولة، قد أصبح، بديلا عن الجنيه الإسترليني، عملة احتياط رئيسة ليس فقط في الولاياتالمتحدة، وإنما في العالم. وعلى هذا الأساس، فقد تحول الدولار إلى أداة لاستقرار النظام المالي العالمي، وتطور التجارة ودعم العولمة في كافة أنحاء العالم- خصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة عام 1991. وبلدنا كان له دور كبير في دعم هذه العملة وأعطاها روحا جديدة، عندما توصلت عام 1974 إلى اتفاق مع إدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، الذي ألغي عام 1971 ارتباط الدولار بالذهب، يقضي بتسعير صادرات النفط بالدولار. ولهذا استمرت العملة الأمريكية، رغم فك ارتباطها بالذهب، في لعب دور العملة التي يتم من خلالها تسوية المعاملات التجارية بين كافة بلدان العالم ووسيلة للادخار، عندما أصبحت بلدان العالم تضع ما لديها من فوائض نقدية في سندات الخزينة والبنوك الأمريكية. ولكن التطورات اللاحقة، وياللأسف الشديد، قد أدت مثلما نرى إلى تحول الدولار وأشباه الموصلات من رموز للسلم والرخاء والتطور والعولمة إلى أدوات للتوتر والنزاع بين الدول الكبرى. ولذلك دعونا نتمنى أن ينتهي كل هذا، وأن تعود الأمور بين هذه الدول إلى مجاريها الطبيعية.