ظهرت تحليلات كثيرة (أغلبها أميركيّة) تتشابه نتائجها من حيث وضوح عدم اليقين فيما يتعلّق بمستقبل الدولار الأميركي باعتباره العملة الاحتياطيّة العالميّة، ويتوقّع بعض هؤلاء الخبراء أنّ الدولار سيفقد هذه المكانة قريباً، بينما يعتقد آخرون أنّ الوقت لم يحن بعد وسيظل في موقع العملة العالميّة الأساسيّة في المستقبل المنظور، ولكنّ المؤكد في كلا المدرستين أن مستقبل الدولار مرتهن بالحالة الأميركيّة والتكتّلات المنافسة، وتحوّلات القوة الجيوسياسيّة العالميّة، وينشط سؤال مستقبل الدولار الأميركي مترافقاً عادةً مع أسئلة أميركيّة قلقة حول مستقبل الولاياتالمتحدة ذاتها ومركزها في العالم، وبحسب مسح أجراه مركز Pew Research Center فإن الأميركيين يُظهرون قلقاً واضحاً بشأن مستقبل ووضع الولاياتالمتحدة في الثلاثين عامًا القادمة، وتبدو الصورة عند الأميركيّين أكثر تشاؤمًا عند إجابة أسئلة تتعلّق بتوقّعات مستقبل مركز بلدهم في العالم، وقوة الاقتصاد الأميركي. أمّا الدولار فتعود هيمنته على التجارة العالميّة وتدفّقات رأس المال الاحتياطي -كما هو معروف- إلى ما لا يقل عن 80 عامًا تقريبا، وهي فترة طويلة حافظت فيها الولاياتالمتحدة على موقعها كأكبر اقتصاد في العالم، وأوسع كيان سياسي نفوذاً، وأقوى قوة عسكريّة عرفتها الدول، واكتسب الدولار أهميّته بشكل خاصّ بعد اتفاقيّة "بريتون وودز" التي أبرمتها الولاياتالمتحدة مع 44 بلدا (عام 1944) وبمقتضاها نشأ نظام عالمي لإدارة النقد الأجنبي يرتبط بالدولار المغطّى بالذهب، وحين انفصل الدولار عن غطاء الذهب عام 1971 في القرار المعروف بصدمة نيكسون "Nixon shock" اكتسب الدولار عمرا جديدا بوصفه عملة معياريّة لمعظم السلع العالميّة وبخاصة سعر البترول. ولكن مظاهر القلق العالمي من "هيمنة" الدولار باتت واضحة خاصّة مع بدء مؤشرات تراجع القوّة الأميركيّة، واستمراء واشنطن استخدام الدولار سلاح عقوبات اقتصاديّة ضد خصومها ولكسب حروبها التجاريّة على حساب بقيّة العالم، من هنا تطوّر "الكلام" العالمي إلى مبادرات تتحدّث عن ضرورة استبدال الدور المهيمن للدولار "De-Dollarization" بمرجعيّة نقديّة أقل سطوة وأكثر اتّزانا، وبالفعل بدأت روسياوالصين في محادثات وأفكار لوضع عملة احتياطيّة جديدة معتمدة على سلّة عملات أعضاء "بريكس"، كما أنّ البرازيل والأرجنتين ناقشتا إنشاء عملة مشتركة لأكبر اقتصادين في أميركا الجنوبيّة. ولكن خبراء أميركيين يقولون إنّه سيكون من الصعب للغاية (إن لم يكن من المستحيل) على دول مثل الصينوروسيا أن تنهي هيمنة الدولار الأميركي كون الولاياتالمتحدة لديها الأسواق الماليّة الأكثر عمقًا ومرونة عالميّا، وتنتظم الشركات بحوكمة دقيقة ونظام عدلي هو الأعلى شفافيّة. ومع هذا فيبدو أن موضوع هيمنة الدولار لم يعد كلاما فقط فهناك أمثلة من الأفعال طرفها الرئيس الصين حيث تمت تسوية تجارة الغاز الطبيعي المسال بين الصين وفرنسا باليوان، ولجأت روسيا وسط التوترات الجيوسياسيّة إلى اليوان الصيني، وهناك شبه اتفاق بين الصينوالبرازيل على الشروع في التبادل التجاري بعملاتهما. * قال ومضى: من أعظم ما يعّلم التاريخ أن قلّة فقط ينجحون في اجتياز دروسه..