كلنا نشتاق للحلم الصغير، كما اشتاق البدر -رحمه الله- لحلمه الصغير. أتذكر جيداً حلمي الصغير في أن ألمس السماء بيدي، وعندما لم أستطع رغم قفزاتي الكثيرة من فوق سطح بيتنا، فقررت أن رفعي لعصا طويلة ستحقق لي الحلم مع قفزات أعلى! لم يتحقق الحلم الصغير كما لم تتحقق أحلامنا والتي هي امتداد لأحلام إنسانية في الطيران بجناحين مع ابن فرناس وتحويل التراب إلى ذهب، وغيرها أحلام كثيرة. الحلم جزء من طفولتنا، وجزء من شبابنا وجزء من كل مراحلنا ورحلتنا. هناك حلم فردي، وحلم جماعي، وسنجد أننا نتشارك في كثير من الأحلام، وسنجد أن أحلامنا تبدو متناقضة، فكم بيننا ممن حلم أن يحفظ القرآن كاملاً، وأن يتعلم العزف على آلة العود! متناقضات قد تبدو ولكنها جزء من تركيب إنساني يميل إلى اللطف في حلم يرحل بنا إلى حياة عاشق يحلم بشريكة عمر، وفتاة تحلم بفارس أحلام، وهذا التركيب نفسه يحلم في أن يكون بطلاً شرساً قوي البنية كما هي البطلة السعودية هتون السيف التي أثبتت أنه حتى الأنثى قد تطمح إلى رقة أنثوية وشراسة ذكورية دون أن يلغي جانب الجانب الآخر، ولكن علينا أن نتيقن أن لأكثر وربما كل الأحلام أسبابها الذاتية والاجتماعية. مثلها مثل كل أمور حياتنا ففي علم الاجتماع ليس هناك سبب واحد، وإن كان في بعض الأحيان هنالك سبب واحد مباشر. حلم البدر -رحمه الله- جعلنا نبعثر مشاعرنا ثم نعود ونجمعها وكأنها الشعر الغجري الذي تغزل فيه نزار قباني، ونحن بين ظاهرتين شعرية بدر بن عبدالمحسن الذي يمثل الشعر العذري الشعبي حداثية وعمودية وغنائية في أرقى وأنقى صوره وأعذب مفرداته، ونزار الذي شرق بنا وغرب في شعره الفصيح المليء بكل الصور الفائقة الجمال بناء وخيالاً. الحلم الصغير أخذني في غيبوبة بين الصحو والنوم.. حالة وسن تتجلى فيها خيالات وتأملات.. نمت والحديث يتحرك على شفتي، وصور الطفولة تتقافز أمامي.. وحلمي الصغير ما زال صغيراً لم يكبر.. نمت ولم أنم وأنا أتمتم بحلم البدر، وطفولة وأحلام وأهازيج طفولة لم تمت.. نمت وعلى فمي أهازيج الأولاد وحدي وكني عايش بوسط حفلة! وجتني تمخطر فرحة أيام الأعياد اللي مضت ترقص على طيف طفلة ياليتها لو حلم الأيام تنعاد واسمع ندا حمدة تغطي يا نفلة! أطفال كان الكون لحلامنا بلاد وأبشع جرايمنا هدم بيت نملة! جيراننا كنا نشاركهم الزاد من غير موعد يوم الأيام سهلة من قبل نعرف حفلة أعياد ميلاد ومن قبل نبكي فقد عنتر لعبلة! وإلى حلم آخر تأخذنا إلى ضفاف بحره، وتموجات حقوله، وقمراه الضريرة، وجداره وحصيره؛ مقالة توقد كلماتها حروف البدر وشعوره وشعره وحلمه الحي الصغير. الكبير في أرواحنا كما هو حال البدر في قلوبنا يكبر كلما مضت أسابيع فقده المرير..