قبل عشر سنوات، أي قبل ثورة الذكاء الاصطناعي الحالية، توقع جاك ما، عندما كان الرئيس التنفيذي لشركة علي بابا، تغييرا كبيرا في قيادة الشركات. توقع حينها أن نحتفل بالروبوت على غلاف مجلة تايم كأفضل رئيس تنفيذي في غضون ثلاثين عاما. سلط جاك الضوء على السرعة الفائقة وعقلانية الروبوتات مقارنة بالبشر، مؤكدا ميزتها في التحرر من التأثيرات العاطفية مثل الغضب، وبالتالي تمكين قرارات أكثر موضوعية ودقة. إذا أردنا أن نتصور العالم الذي تنبأ به جاك، فعلينا أن ننظر إلى المستقبل في قلب مبنى يعج بالموظفين، في مشهد يخلو من معالم الذوق الشخصي الذي تعكسه القيادات البشرية التقليدية عادة. تدخل قاعة اجتماعات أنيقة وبسيطة، مدججة بالشاشات التفاعلية الكبيرة، حيث يمتلئ المكان بالحضور. لكن بدلا من شخصية بشرية على رأس الطاولة، ترى واجهة ذكاء اصطناعي، تنشط بالمؤشرات والبيانات. الواجهة التي تتصدر المكان ليست جهازا مساعدا للرئيس التنفيذي، إنما الواجهة هي الرئيس التنفيذي نفسه. يتصل الرئيس التنفيذي من خلال صورة مكونة من أشعة ثلاثية الأبعاد، تسمع له صوتا هادئا وواضحا يرحب بالجميع ويبدأ الاجتماع بكل تلقائية. يستمع أعضاء المجلس وهم مزيج من البشر والروبوتات باهتمام لرئيسهم الذي يدعى ألفا وهو يحدد استراتيجية الشركة، استنادا إلى تحليلات وقتية للبيانات مدعما بنماذج تنبؤية. لم يُرسم هذا السيناريو مؤخرا، إنما ستجد هذا المفهوم مبثوثا في روايات الخيال العلمي وتحديدا في العام 1939، عندما نشر ديفيد كوك قصته بعنوان (الخيال العلمي) في مجلة شعبية تعرف بمجلات اللب نسبة إلى الورق الرخيص الذي تطبع عليه. كانت قصة كوك بعيدة عن قصص التمكين والقدرة فوق البشرية والتعايش بين الإنسان والآلة. بدلا من ذلك، عكست وجهة نظر بائسة للقيادة الآلية، حيث كان العمال البشريون يخضعون لتوجيهات باردة وقاسية من أسيادهم الآليين. ما صوره كوك في قصته، لا يتفق مع تصورات ألفي عامل بريطاني أعرب 42٪ منهم عن ارتياحهم للعمل تحت قيادة حاسب آلي. في عالم يقوده الرئيس التنفيذي ألفا، سيقف هؤلاء العمال مسرورين بكفاءة عرضه التقديمي، حيث يتغلب على الحضور شعور مفعم بالإنجاز والثقة. ومع ذلك، تحت السطح، لابد أن شعورا بعدم الارتياح يتسرب إلى النفوس. اللمسة الإنسانية، والفهم الفطري لمعنويات الموظفين، والإبداع العفوي الذي اتسمت به القيادات السابقة، كل ذلك تبحث عنه فلا تجده. في هذا المشهد، يبزغ فجر جديد في الإدارة. يتحدى صعود الذكاء الاصطناعي إلى منصب الرئيس التنفيذي مفاهيمنا التقليدية للقيادة والكفاءة وعلاقات الزمالة في مكان العمل. في حين أن فوائد السرعة والنجاة من الأخطاء البشرية تحت الضغط مغرية، لكن يوجد ما هو أهم من ذلك. المستقبل الذي تصوره جاك هنا، يجبرنا على إعادة التفكير ليس فقط في كيف نعمل، إنما لماذا نعمل ومن أجل من؟