خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة إلى جمهورية الصين الشعبية وقع الزعيمان على وثيقة تتألف من ثمانية آلاف كلمة في نسختين صينية وروسية فقط. شدد الطرفان في هذه الوثيقة على متانة العلاقات بين البلدين وكيف أن الاتحاد السوفييتي كان في مقدمة الدول التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية في إشارة إلى عمق العلاقة بين القوتين، في هذه الوثيقة التاريخية اتفق الطرفان بطبيعة الحال على سبل التعاون في جميع المجالات، ولكن الأهم من ذلك والأبرز هو تأكيد الزعيمين على اتفاقهما في ما يجب أن يكون عليه العالم في المستقبل من حيث توازن القوى والعمل المشترك، وقد اتفق الطرفان وأكدا بشكل قاطع على أهمية أن يتحول العالم إلى نظام متعدد الأقطاب من أجل تحقيق السلام والتنمية المستدامة. ومن أجل فهم هذا العالم المتعدد الأطراف بحسب وجهة نظر هذه الوثيقة التى أفردت مساحة كبيرة في هذا الشأن، نستعرض موقف الصين المبدئي بشأن الحوكمة العالمية من خلال ما قاله عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ووزير الخارجية وانغ يي وذلك في 7 مارس 2024، عندما التقى بالصحافة خلال دورتي المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني. قال وانغ يي: "إن التعددية القطبية والعولمة الاقتصادية هما الاتجاهان السائدان في تقدم المجتمع البشري. ولكن هناك وجهات نظر مختلفة حول الشكل الذي ينبغي أن تبدو عليه. وتؤمن الصين بعالم متعدد الأقطاب متساو ومنظم، وبعولمة اقتصادية مفيدة وشاملة للجميع. إن العالم المتعدد الأقطاب المتساوي يعني المساواة في الحقوق، والفرص المتساوية، والقواعد المتساوية لكل أمة. لا ينبغي لقوى معينة أو عدد قليل من القوى أن تحتكر الشؤون الدولية، ولا ينبغي لنا أن نصنف البلدان وفقاً لقوتها، أولئك الذين لديهم قبضة أكبر لا ينبغي أن يكون لهم الكلمة الأخيرة، ومن غير المقبول بالتأكيد أن تجلس دول معينة على الطاولة بينما لا يمكن لدول أخرى أن تكون إلا على القائمة، ولا بد من التأكد من أن كافة البلدان، بغض النظر عن حجمها وقوتها، قادرة على المشاركة في صنع القرار، والتمتع بحقوقها، والاضطلاع بدورها على قدم المساواة في العملية نحو عالم متعدد الأقطاب. إن العالم المنظم المتعدد الأقطاب يعني أنه ينبغي للجميع مراعاة مقاصد ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة، والتمسك بالمعايير الأساسية المعترف بها عالميا والتي تحكم العلاقات الدولية، فالتعددية القطبية لا تعني تكتلات متعددة، أو تشرذماً، أو فوضى، ويجب على جميع البلدان أن تعمل في إطار النظام الدولي الذي يركز على الأممالمتحدة، وأن تسعى إلى التعاون في ظل الحوكمة العالمية. إن العولمة الناجحة تعني تنمية الكعكة الاقتصادية وتقاسمها بشكل أكثر عدالة، وينبغي أن تتمكن جميع الأمم، وجميع الفئات الاجتماعية، وجميع المجتمعات -من المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية- وتقاسم الفوائد، وينبغي تسوية اختلال التوازن التنموي، سواء كان وطنيا أو دوليا، بشكل صحيح من أجل تحقيق الرخاء والتنمية المشتركين. وتعني العولمة الشاملة كذلك دعم البلدان في اتباع مسار التنمية الذي يناسب ظروفها الوطنية، ولا ينبغي لأحد أن يفرض نموذجا واحدا للتنمية على العالم أجمع، ولا بد من التخلص من الأحادية والحمائية لتحقيق مكاسب أنانية على حساب الآخرين -من أجل الحفاظ على استقرار سلاسل الصناعة والتوريد العالمية- ومن دون عوائق، والحفاظ على النمو القوي والديناميكي للاقتصاد العالمي. وقال وانغ يي: "إن الصين مستعدة للعمل مع جميع الدول لتوجيه التعددية القطبية والعولمة الاقتصادية نحو الاتجاه الصحيح كما يتوقع "العالم أجمع"، ولجعل الحوكمة العالمية أكثر عدلا وإنصافا". الصين الشعبية وروسيا الاتحادية أصبحتا أكثر من أي وقت مضى متقاربتين اقتصادياً وسياسياً بعد تدخل حلف الناتو بقيادة الولاياتالمتحدة الأميركية في الصراع الروسي الأوكراني. ويعمل الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس شي جين بينغ على توظيف هذا المشهد العالمي المشوه لتعزيز مفهوم عالم متعدد الاقطاب يساهم في خلق بيئة متوازنة بين جميع الدول على هذا الكوكب.