إن الذكرى ال61 ليوم تأسيس الاتحاد الأفريقي الذي يمثل حدثاً أفريقياً سياسياً مهماً تجعلنا نستذكر أن التاريخ والجغرافيا يجمعان بين أفريقيا والوطن العربي، حيث يتشارك الجانبان الكثير من المقومات الحضارية والثقافية. وعلى مر العصور، كان هناك تفاعل وتبادل ثقافي وتجاري بين شبه الجزيرة العربية وقارة أفريقيا، مما أدى إلى تشكيل هوية مشتركة في الكثير من مناحي الحياة. وتجدر الإشارة إلى أن عشراً من الدول العربية تقع في قارة أفريقيا، وبحجم عدد سكان قدره نحو 283 مليون نسمة من إجمالي مليار وربع هو عدد سكان القارة كاملة، وهذا من شأنه أن يسهم في توطيد العلاقات بين الجانبين. وقد ذهب بعض المفكرين وعلى رأسهم المفكر العربي الأفريقي الدكتور علي المزروعي إلى أن كلا من العرب والأفارقة كانوا يعيشون في قارة واحدة قبل الانفصال الجيولوجي الذي تم بفعل ظهور البحر الأحمر، واكتمل في القرن التاسع عشر مع شق قناة السويس. وفي هذا السياق طور المزروعي نموذجا علميا أطلق عليه "أفرابيا" لتأطير العلاقات التاريخية والجغرافية المستمرة بين الجزيرة العربية وقارة أفريقيا، يستند إلى محددات أهمها ما يلي: * غالبية الشعب العربي يقطنون حالياً قارة أفريقيا، كما أن أوسع الأراضي العربية تقع في هذه القارة. * أفريقيا هي القارة الأولى في العالم التي يشكل المسلمون فيها الأغلبية الساحقة. * من المحتمل أن اسم أفريقيا يعود إلى لغة البربر، وكان يشير إلى ما يعرف الآن بتونس والقارة استمدت اسمها مما يعرف حالياً بعرب أفريقيا. * الهجرات والتنقلات البشرية بين أفريقيا والجزيرة العربية عبر القرون. * هناك أدلة على وجود عربي على الساحل الأفريقي الشرقي والقرن الأفريقي قبل ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي المقابل فإن أول مؤذن في الإسلام هو سيدنا بلال -رضي الله عنه-، وهذا دليل على وجود أفريقي في مكةالمكرمة والمدينة المنورة قبل الإسلام، مما يعني أن الأفرابيا ظاهرة سبقت الهجرة النبوية. * انتشار اللغة العربية في أفريقيا؛ إذ إنها ما تزال لغة كثير من الناس في هذه القارة، ومن اللغات الأكثر انتشارا في أفريقيا السواحلية في شرق القارة والهوسا في غربها، وكلتاهما تأثرت بالعربية والإسلام. * الروابط اللغوية بين أفريقيا والجزيرة العربية تعد أقدم من الإسلام، ويعلم الجميع أن العربية لغة سامية، ولكن ما لا يعلمه كثيرون أن الأمهرية، اللغة الرسمية الأوسع انتشاراً في إثيوبيا، هي أيضاً لغة سامية. * يعود ظهور البحر الأحمر وخليج عدن إلى نحو ثلاثة أو خمسة ملايين سنة قبل الميلاد، مما يعني حسب هذه الرؤية أن الجزيرة العربية وأفريقيا كانتا رقعة جغرافية واحدة قبل الانفلاق الجيولوجي. وانطلاقا من هذه المحاور يخلص المزروعي إلى أن أفريقيا والجزيرة العربية سينصهران في ظل النظام العالمي الجديد في بوتقة واحدة من التعاون والاندماج الذين يعززهما التاريخ والجغرافيا والثقافة أكثر مما لدى أي تكتل آخر في العالم، مما يعني أن التكامل والتآخي العربي الأفريقي أو ما يمكن تسميته اللحمة العربية الأفريقية قديم حديث بسبب العديد من العوامل التي تدعمه، ولذلك كان من الضروري أن يتم تعزيزه بالتكامل الاقتصادي من أجل تنمية مستدامة لما فيه خير شعوب القارة الأفريقية والوطن العربي. إن دعم التنمية الاقتصادية المشتركة بين أفريقيا والوطن العربي لهو أمر بالغ الأهمية لتحقيق الازدهار والنماء في كلا الجانبين. وقد أدى عدد من المؤسسات المالية العربية والإسلامية دورًا محوريًا في هذا المجال. وعلى سبيل المثال، يعد البنك الإسلامي للتنمية أحد أبرز المؤسسات الرائدة في دعم التنمية الاقتصادية في القارة الأفريقية، وقد قدم منذ إنشائه قبل 50 عاما تمويلاً وتعاونًا فنيًا لمئات المشروعات التنموية في مختلف القطاعات الحيوية، كالبنية التحتية والزراعة والصناعة والصحة والتعليم. وبذلك أسهم البنك بشكل كبير في تحفيز النمو الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة في العديد من الدول الأفريقية. ويركز المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا على تمويل المشروعات الاقتصادية والاجتماعية في القارة الأفريقية بهدف تحقيق التنمية المستدامة، وقد أسهم المصرف خلال الأعوام الخمسين الماضية بشكل كبير في تطوير القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية في العديد من البلدان الأفريقية. وقد جاء الاحتفال ياليوبيل الذهبي للمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا في الرياض خلال الأيام الماضية تتويجا لخمسة عقود من تطوير البنية التحتية والزراعة في جميع أنحاء أفريقيا والإسهام بدور فاعل في تنمية التعاون الاقتصادي والمالي والفني بين الوطن العربي وأفريقيا، مما يجسد التضامن العربي الأفريقي. ومن اللافت أن الاحتفال أتى بعد شهر من احتفال مماثل في الرياض بمناسبة مرور 50 عاما على إنشاء البنك الإسلامي للتنمية تحت شعار "الاعتزاز بماضينا ورسم مستقبلنا: الأصالة والتضامن والازدهار". وبشكل عام، يحمل هذان الاحتفالان دلالات منها أهمية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ودور المملكة العربية السعودية الشقيقة في دعم التنمية المستدامة في العالم وبخاصة في العالم الإسلامي وقارة أفريقيا. إضافة إلى ما سبق، تلعب الصناديق العربية للتنمية، مثل الصندوق السعودي للتنمية، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وصندوق قطر للتنمية، وصندوق أبوظبي للتنمية، دورًا مهماً في دعم التنمية في القارة الأفريقية؛ فهذه الصناديق قدمت تمويلات وقروضًا ميسرة لمئات المشروعات التنموية، مما أسهم بشكل فاعل في تعزيز البنية التحتية والتنمية القطاعية في العديد من البلدان الأفريقية. ولا نغفل عن الجهود الإنسانية والإغاثية التي يقوم بها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الذراع الخيري للمملكة، في كثير من الدول الأفريقية. وتؤكد هذه الجهود المؤسسية العربية مجتمعة أهمية التعاون الاقتصادي والتنموي بين الجانبين العربي والأفريقي. فهذا التعاون يعزز من القدرات الإنتاجية والبنى التحتية في أفريقيا، ويساعد في تحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستويات المعيشة في القارة، ويعكس أيضًا عمق الروابط التاريخية والحضارية بين المنطقتين. سياسيا، شهدت العقود الخمسة الماضية ضعفاً في التواصل بين الجانبين بدليل أن القادة في الوطن العربي وأفريقيا لم يجتمعوا سوى ثلاث مرات فقط خلال 47 عاما، إذ أقيمت القمة العربية الأفريقية الأولى في القاهرة عام 1977، والثانية في سرت الليبية عام 2010، بينما انعقدت القمة العربية الأفريقية الثالثة في الكويت عام 2013، لكن القمة السعودية - الأفريقية الأخيرة التي انعقدت في الرياض في نوفمبر الماضي وشددت على تطوير العلاقات بين الجانبين في مختلف المجالات، وتعزيزاً لأواصر التعاون المشترك، والارتقاء بعلاقات الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وتثمينا للروابط التاريخية بينهما، يمكن أن تكون أساساً يبنى عليه التعاون العربي الأفريقي في مختلف المجالات، بالذات وأن سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية رئيس القمة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أعلن خلال تلك القمة أن المملكة قدمت أكثر من 45 مليار دولار لدعم المشاريع التنموية والإنسانية في 54 دولة أفريقية، وأن مساعدات مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بلغت أكثر من 450 مليون دولار في 46 دولة أفريقية. كما أعلن سموه مبادرة خادم الحرمين الشريفين الإنمائية في أفريقيا وذلك بتدشين مشروعات وبرامج إنمائية في دول القارة بقيمة تتجاوز مليار دولار على مدى عشر سنوات، وضخ استثمارية سعودية جديدة في مختلف القطاعات بالقارة تزيد على 25 مليار دولار، وتمويل وتأمين 10 مليارات دولار من الصادرات، وتقديم خمسة مليارات دولار تمويلا تنمويا إلى أفريقيا حتى 2030، وكشف عن عزم المملكة زيادرة عدد سفاراتها في القارة إلى أكثر من 40 سفارة. وتقوم جمهورية جيبوتي بدور مهم في الجهود المبذولة لتعزيز التعاون العربي والأفريقي بصفتها الجسر الرابط بين أفريقيا والجزيرة العربية، وبسبب موقعها الجغرافي الفريد المطل على مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية الكبيرة. كما توجد في جيبوتي أكبر منطقة تجارة حرة في أفريقيا، ومن شأنها أن تسهم في تطوير التبادل التجاري والاستثماري مع قارة أفريقيا. إن التكامل العربي الأفريقي ضرورة ملحة تدعمها مختلف القواسم المشتركة بين الشعوب العربية والأفريقية، وكذلك الروابط التاريخية والجوار الجغرافي، وسيكون لتعزيز التعاون بين الجانبين انعكاسات إيجابية على التنمية ورفاه الشعوب، وعلى الأمن والاستقرار، وهذا يتطلب إرادة سياسية قوية ورؤى استراتيجية مشتركة من قبل صناع القرار في الوطن العربي وقارة أفريقيا. وإننا نتطلع إلى انطلاق مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن قريباً، ونأمل أن يكون هذا المجلس نموذجاً من نماذج التعاون العربي الأفريقي الراقي على أسس من المصالح الإقليمية المشتركة المتوافقة والمتناغمة مع المجتمع الدولي. *سفير جمهورية جيبوتي عميد السلك الدبلوماسي لدى المملكة العربية السعودية