تُسن وتتطور التشريعات في الدول الحضارية بحسب احتياجات وظروف مجتمعاتها، أو لمواجهة ما يستجد من أمور تستدعي معه تدخل الدولة بوضع الأنظمة اللازمة لتقويم ما قد يعتري السلوكيات من انحرافات، أو يتخلل الممارسات من تجاوزات، أو يشوب العلاقات من انتهاكات، أو يلحق التعاملات من مخالفات؛ فالقوانين تهدف إلى تنظيم وضبط سلوك الأفراد فيما بينهم أو في علاقتهم مع غيرهم، وإلى تنظيم تصرفاتهم وحفظ حقوقهم وحماية مصالحهم وضبط ممارساتهم؛ بينما يعني مفهوم سيادة القانون خضوع ومعاملة كافة الأشخاص الطبيعية بالتساوي أمام ذات القوانين نفسها عند ضبط الممارسات وردع التجاوزات وفرض العقوبات بصرف النظر عن صفة الفاعل وجنسه وجنسيته؛ وإذا كانت الدولة عبر سلطات مؤسساتها التنفيذية هي المعنية بواجب تطبيق القوانين وفرض سيادة حكم القانون لحفظ النظام العام وعناصره المتمثلة في الأمن والصحة والسكينة العامة، فإن تلك الأجهزة الحكومية المعنية بتنفيذ الأنظمة والمحافظة على ركائز النظام العام، يتوقع منها فرض ذلك بصورة دائمة ومتابعة تنفيذ ذلك دون تراخ، كي لا يستغل ضعاف النفوس أي فرصة للتمادي في التجاوز وتساهل التعدي والنيل من احترام القوانين. لا أغالي إذا قلت إننا على مشارف أن يكون لدينا مشكلة عدم احترام للقوانين نتيجة تساهل البعض في كثير من السلوكيات اليومية والمتمثلة في عدم الالتزام بالقوانين والتقيد بمقتضياتها النظامية للمحافظة على مقومات النظام العام، وذلك لوجود فئة قليلة تأبى إلا أن تكون خارجة عن انتظام الجماعة الممتثلة لمتطلبات النظام في كثير من الممارسات الحياتية اليومية، فنحن جميعا نشاهد بعض من التصرفات التي تصدر وهو المؤسف من بعض المواطنين، والتي فضلا عن أنها تتنافى مع قيم المواطنة الصالحة والحرص على المكتسبات الوطنية، فإنها تشكل نوعا من التطاول على مقومات حفظ كيان المجتمع واستتباب الأمن والنظام فيه وضمان أمن وسلامة الجميع، ولكن ما يخفف من ذلك هو الثقة فيما تنفرد وتتفرد به هذه البلاد المباركة من أمن واستقرار نتيجة ما تملكه من إمكانات وأجهزة ذات كفاءة وقدرات لمواجهة أي ظواهر اجتماعية خارجه عن سياق النظام العام، وبالتالي ودون أدنى شك إن كل من يخالف الأنظمة سيلقى الجزاء الناجز والرادع والمناسب لفعله؛ لكن الأكثر غرابة وهو ما يحتاج حقيقة لالتفاتة وإِقْدام أكثر صلابة هو ما يقوم به كثير من المقيمين من أعمال وأنشطة غير نظامية وإصرار على المخالفة جهارا نهارا وتطاول على أسس النظام العام وسلامة عناصره نتيجة لتساهل بعض الجهات المعنية في القيام بما أوكل لها من مهام وسلطات، فالتراخي في عدم التعامل مع ذلك بجدية يقوض من قيمة الزجر والعقوبات المقترنة بالأنظمة أجمالا، وفي التساهل مع التعاطي مع هذه التجاوزات بحزم رسالة قد تفهم بصورة عكسية وربما تستغل في تعزيز الجرأة على مخالفة القوانين وعدم الخشية من توقيرها، فتهاون بعض مؤسسات الحكومية في أداء واجباتها بفعالية مدعاة لتكرار المخالفات وزيادة وتيرتها، وفي ذلك مع مرور الوقت مخاطر للنيل من هيبة النظام وتراجع الثقة بأجهزتها.