حين تحدثك نفسك وتسألك ما هو الحق؟ وأنت في صمتٍ مطبق، إذ سوف تحدق في مراميك وتجيب لعله الجَمال والخُلق القويم وبث روح الخير للجميع بلا مراء وخيلاء أو تزلف لأمرٍ ما. فلا الحياة هي الحياة ولا الشقاء هو الشقاء، إذا نظرنا إلى الحق وسيلةً نستشف من خلالها مصالحنا الذاتية ونركن مصالح الناس جانبًا. فما هذه الأشياء إلا ثيابًا أُلبست كي نتجمل بها ونخدع أنفسنا بل ونظلمها (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:42)، علمٌ مسبق بما يدور في حياتنا الازدواجية وتكرار الشخصيات المونولوجية في وجداننا وذواتنا التي تنفصل تارة عن الواقع وأخرى عن المستقبل، فالمستقبل هو الشيء الوحيد الذي يجعلنا نفكر بمصيرنا؛ وهل نحن على حق؟ أم لبسنا الحق بالباطل وركبنا مراكب الغرور وتجاوزنا ضمائرنا، والشوق يعبث ليتجلى منه النور مع كامل الإيمان بالعلم والمعرفة، فالعلم وحده كطائر افتقد جناحيه وأصبح عاجزًا عن الطيران. بغير الإيمان تشيخ المعرفة يا إنسان! وتفقد النفس لذتها وحقيقتها وصدق إنسانيتها. الإيمان، مطلوبٌ في جميع حياتنا المعرفية والفلسفية، وهو حقل مهم لفهم ظواهرنا ووجودنا الأنطولوجي، وهو المرآة الحقيقية للجمال، فبدونه لا سفينةَ تبحر في لجج الأهوال؛ فتغرق في وحل من الجهل ويمتشقها الباطل من كل جانب إلى أن تنسى وجودها، وتفتقد كل حقيقةٍ جاءت من أجلها. الحق كل الحق أن تعرف غور نفسك، ومفاتيح أسرار وجودك الروحي قبل المادي، فإذا عرفت هذه الأنوار قبل ولوجك إلى عالمك الواقع؛ حتمًا سوف تركن إلى الحق والجمال والخير. والحق أول ثلاثة وجوهرها في هذا الملكوت المحيط بنا. فهذا الثالوث المركزي لا يتحقق بغير الإيمان فهو فلسفتك في حياتك الشخصية والاجتماعية والوظيفية. هي مبادئ لا بد من سلوك دروبها؛ لتفتح لنا طريقًا واسعًا في فهم مجرياتنا المتغيرة بين آنٍ وآن. فالمتغيرات الزمنية هي التي تربك حياتنا وتجعلنا بين عدة شخصياتٍ متقلبة، والإيمان يجعل الأمور تسير في طريقها الصحيح نحو إزالة الحوادث المفسدة. وهكذا دواليك تتقدم جميع المفاهيم والماهيات العقلية لبناء استراتيجيةٍ شاملةٍ خاليةٍ من الحروب والكوارث المفتعلة ومن التعصب والكراهية؛ نحو الحب المنشود لردم التفاوت الفكري والطبقي بين الناس. فالحق هو الذي يجعل الناس على سواء (تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ))آل عمران:64) هي رابطة الحق في كلمة واحدة جامعة البشر في أخلاقها وجمالها وصدق إنسانيتها ومعدنها الروحي. هي أبجدياتٌ ولعلها أدبياتٌ؛ جاءت من نوالها ومن عالمها المخيال لتنبئك عن ما هو واقع وصدق، أو تعلمك معرفة كونكَ القريب الذي أنت فيه بعيد لكتمانك وصدك عن النور الذي بداخلك. هذا الجلال يفقد بريقه عندما تفقد وعيك؛ وتتسربل حياة الشقاء إلى وجدانك؛ فلا تأملٌ في محيطكَ الكوني ولا رجاءٌ يستمر.