تستعد فيتنام لإحياء الذكرى السبعين للانتصار على القوات الاستعمارية الفرنسية في ديان بيان فو باحتفالات صاخبة، إلا أن أحد آخر المشاركين الأحياء في هذه المعركة يفضل البقاء بعيدا عن الأضواء. في شقته الصغيرة بالعاصمة هانوي، يحتفظ هوانغ فينه في خزانة زجاجية بصور للرئيس الراحل هوشي وبوسام يشهد على مشاركته في المعركة الشهيرة عام 1954. يحمل الوسام علما أحمر ونجمة صفراء ورسما لجندي يحمل بندقية، وتم منحه للمشاركين في المعركة التي استمرت 56 يوما. ويقول الرجل البالغ 96 عاما لوكالة فرانس برس "بذلت الكثير من العرق والدم، والكثير من التضحيات والمشقة من أجل هذا الوسام". ويضيف متحدثا عن مسيرته العسكرية التي قاتل فيها الفرنسيين والأميركيين "لقد سلكت الطريق الصحيح للمساهمة في استقلال بلدي، لا أشعر بأي ندم". انضم فينه إلى الجيش عندما كان عمره 15 عاما فقط، دون أن يعلم أنه سيقضي وقتا طويلا في القتال، ويوضح "عندما كنت شابا، انضممت إلى الجيش لمحاربة الفرنسيين لأنهم غزوا بلدنا ووطننا، كنت وطنيا فقط، ولم يكن لدي أي فكرة عن الوعي الطبقي". عمل فينه في فوج مضادات الطائرات الذي أسقط 62 طائرة فرنسية طوال الحملة التي انتهت في 7 أيار / مايو 1954، وشهدت انهيار جميع المواقع الفرنسية في بلدة ديان بيان فو على الحدود مع لاوس. قرار استراتيجي أعلن الرئيس الفيتنامي هو تشي مينه الاستقلال في عام 1945. ومنذ ذلك الحين، خاضت الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا مقاومة طويلة ضد المستعمر الفرنسي. في أواخر عام 1953، اتخذت قوات "فيت مين" (اتحاد تحرير فيتنام) بقيادة هوشي منه ما وصفته ب"القرار الاستراتيجي" بشأن القضاء على أكبر معقل دفاعي فرنسي في الهند الصينية، وعيّنت الجنرال فو نجوين جياب قائدا أعلى لأكبر حملة لها على الإطلاق. وتمت تعبئة الجنود والمتطوعين المدنيين والعاملين في الخطوط الأمامية لنقل الأسلحة والمدفعية وجميع الضروريات عبر الغابات والجبال من أجل المعركة التاريخية. حصلت الفتاة نجو ثي نغوك ديب البالغة حينذاك 17 عاما على "فرصة ثمينة" للسير طوال الليل لأسابيع مع الجنود، للاقتراب من ساحة المعركة الرئيسية. تقول ديب (86 عاما) عن شبابها كمغنية عسكرية "أثناء مسيرنا، كانت مهمتي هي التحدث وإلقاء النكات ومواساة الجنود لتشجيعهم". تضيف ديب وهي ترتدي الزي العسكري وتحمل آلة موسيقية صنعتها بنفسها من أغطية الولاعات، أنه بين فترات المسير "غنينا ورقصنا ومثّلنا مسرحيات، وكانت الموضوعات وطنية وشعبية تقليدية، لم أقاتل، لكنني ساهمت في الحفاظ على معنويات الجنود لتحقيق الضربة الكبيرة". وتوضح "كان من الصعب حقا أن أسير كيلومترات في الظلام عبر الأدغال والجبال العالية، حاملة على كتفي حوالى خمسة كيلوغرامات من الأرز ومتعلقات شخصية ومجرفة". لكن "كنت متحمسة جدا لاختياري في ساحة المعركة، لقد كان الأمر ممتعا". وفقا للأرقام الرسمية، شارك ما مجموعه 55 ألف شخص، معظمهم من قوات النخبة في فيتنام، بشكل مباشر في القتال. وساعد أكثر من 261 ألفا آخرين في الخطوط الأمامية في الأعمال اللوجستية، بما في ذلك قيادة 21 ألف دراجة محملة بالأرز واللحوم والضروريات وحتى الأسلحة. يقول هوانغ فينه "لم يكن لدينا ما يكفي من الطعام، ولا ما يكفي من الملابس الدافئة لنرتديها، ولا ما يكفي من البطانيات، وننام على قش الأرز". ويضيف "لكن لم يشتكِ أحد، تحدثنا وغنينا لرفع معنوياتنا، لقد كان الأمر ممتعا حقا". "نطوي صفحة الماضي" لإحراز النصر الذي "صدم العالم" وتحتفل فيتنام بذكراه السبعين الأسبوع المقبل، فقد ما يصل إلى 10 آلاف مقاتل ومدني فيتنامي حياتهم أو تم إدراجهم في عداد المفقودين، وأعلنت فرنسا مقتل ثلاثة آلاف من عسكرييها. يستذكر فينه "سقطت قنبلة، رأيت رفاقا يقتلون على الفور، والجثث متناثرة حتى على أغصان الأشجار". ويقول "لم أشعر بالرعب رغم ذلك، فقط كرهت أولئك الذين قتلوا رفاقي". أما ديب فتؤكد "كنت خائفة جدا كلما كان هناك تحذير من قنبلة، لكنني لم أجرؤ على التعبير عن خوفي لأنني كنت خائفة أكثر من إرسالي إلى المنزل". نجا كل من فينه وديب من المعركة دون التعرض للإصابة. يشدد فينه "رغم افتخاري بمسيرتي، إلا أنني لم أكن بطلا، لقد أديت فقط خدمتي كرجل عسكري لبلدي، وهي مهمة عادية ولا داعي للتباهي بها، حتى تجاه الفرنسيين". بعد تقاعدهما من الخدمة العسكرية، زار الاثنان فرنسا عدة مرات في رحلات عائلية مع أبنائهما. يكشف فينه "لم أخبر أحدا في فرنسا أنني شاركت في معركة ديان بيان فو". وتقول ديب "لا يمكننا أن ننسى التاريخ أبدا، لكن يجب أن نطوي صفحة الماضي، يجب أن نترك الفصول المؤلمة وراءنا"، مؤكدة أنها تود مصافحة قدامى المحاربين الفرنسيين إذا أتيحت لها فرصة لقائهم. وتختتم العسكرية السابقة "نحن أصدقاء". السيد فو كونغ هونغ يروى قصة الأيام التي «حملت فيها الحمولة» في ديان بيان فو