لا يزال الفرنسيون عاجزين عن تصوّر الكيفية التي هزموا بها في معركة "ديان بيان فو" في فيتنام، هم الذين كانوا يتصوّرون اول الامر ان تلك الموقعة ستكون واحدة من اكبر انتصاراتهم هناك، وانه سيكون من شأنها ان تقلب جميع المعادلات في طول الهند الصينية وعرضها. ومع هذا ثمة بين الفرنسيين من يقول "لو اننا اصغينا الى ما قاله هوشي منه، لكان من شأننا ان نتجنّب ذلّ الهزيمة في ديان بيان فو". والواقع ان الزعيم الشيوعي الفيتنامي كان قد اعلن، منذ يوم 29 تشرين الثاني نوفمبر 1953 في تصريح موجّه الى الفرنسيين ونشرته مجلة "اكسبرسن" السويدية، بأنه على أتم الاستعداد لمناقشة اقتراح الهدنة الفرنسي، وكان ذلك في الوقت نفسه الذي دان فيه "الامبرياليين الاميركيين الذين يدفعون فرنسا الى تكثيف حرب اعادة غزو فيتنام بهدف اضعاف فرنسا اكثر واكثر والحلول محلها، اثر ذلك". كانت صرخة هوشي منه في ذلك اليوم صرخة صادقة تعطي الفرنسيين آخر فرصة لتسوية الامر في فيتنام قبل ان تحل بهم كارثة عسكرية كان هوشي منه واثقاً من حدوثها دون ان يتمنى ذلك، كما ظل يقول بعد ذلك. فبالنسبة الى هوشي منه، كان امر فرنسا في الهند الصينية قد انتهى، والمطلوب الان هو تفادي حلول الولاياتالمتحدة محلها. وكان يرى ان هذه الاخيرة انما تبذل قصارى جهدها لتوريط فرنسا اكثر واكثر بغية اخراجها، ذليلة، من مستعمراتها. طبعاً ستؤكد حوادث الشهور والسنوات اللاحقة، في الهند الصينية وفي غيرها، ان هوشي منه كان على حق. والفرنسيون بدلاً من الاصغاء لدعوة هوشي منه، راحوا يعززون وضعهم، تحسباً لهجمات قوات الفيات - منه، الموسمية، ولا سيما في منطقة ديان بيان فو الاستراتيجية ولقد نجح هجوم الفرنسيين المفاجئ يومها فشتت القوات المعادية وقضى على ستين فرداً منها بينما لم يخسر الفرنسيون سوى 14 جندياً. وكان ذلك الانتصار، في الحقيقة، فخاً أطبق على الفرنسيين، الذين ما ان حلوا في المنطقة حتى راحوا يصلحون من شأن مطارها الذي كان قد اقامه اليابانيون سابقاً. وحين انتهوا من ذلك رأى خبراؤهم ان ليس ثمة في طول المنطقة وعرضها معسكر اكثر امناً وقوة من ذلك المعسكر. وبلغ من ثقة القيادة الفرنسية بنفسها ان قررت ابدال قوات النخبة الفرنسية بقوات فيتنامية.