لا يصدق أنه يقضى ثلث يومه أو يزيد في متابعة الآخرين! لا يتوقف عن انتقاد مشاهير يقضون وقتهم في تفاهات وهو يتابع تفاصيل التفاصيل! أوليس "هو" أتفه منهم؟ نعمة منصات التواصل الاجتماعي تحوّلت لدى الكثيرين إلى نقمة، تقتات على وقته وتقضم من روحه! فلم تعد مصدراً لتعزيز العلاقات الاجتماعية أو التعرف على النظراء والأصدقاء الجدد، ولا إلى مصدر الأخبار والمعلومات، ولا إلي شبكة مهنيّة مجانية، بل مجرد شاشة تُدمن مشاهدتها في كل مكان، من أوقات العمل إلى قبيل النوم، حتى في المسجد أضحى الكثيرون لا يتورعون الاستغراق في متابعة ما تجع به المنصات! نعم توافه وطوام وسط بيت الله! بل تضخم ذلك بسبب استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي، التي تزيدك إدماناً، كونها تُعزز "التعرض الانتقائي"، الذي يضاعف اهتمامك ومتابعتك، كونه يتوافق مع ما ترغب أنت شخصياً. المأساة هنا أن الكثيرين لا يدرك أنه لا يفقد وقتاً لن يعود؛ بل يخسر أكثر من ذلك! إذ أن هناك الآثار السلبية المتراكمة من قراءة تلك النصوص ومشاهدة المقاطع المرئية، أهمها الاكتئاب وشعور اليأس، الذي يزداد حين المقارنة مع ما يشاهده من بذخ وإسراف، وكذلك شعور السلبية حينما يلحظ أنه لا يزال يراوح موقعه بينما من يتابعهم يزدادون شهرة وظهوراً، وبالتالي تتضاعف ثرواتهم، التي جاءت بسبب متابعته اللصيقة لهم! قديماً يقال: "من انشغل بغيره لم يجد وقتاً لنفسه"! لأنه يفقد وقت فراغهم لصالحهم، ثم تغيب نتائج أعماله، فلا يجد تنفسياً لفشله سوى انتقاد مجهودات الآخرين، وجُلهم من يقضى وقته في متابعة تفاصيل حياتهم! نلقي باللوم دوماً على الآخرين، ونتجاهل أن نحن من يقرر كيف نقضى ساعات يومنا، تستطيع أن لا تتوقف عن مشاهدة المقاطع القصيرة، وتستطيع أن تدخل في مهاترات بيزنطية، ثم تتخيل بطولات وهمية، لكنك نهاية لن تخرج بشيء! بل مجرد يومٍ انتهى بخسارة وقت وجهد، لا يمكن أن يعود. لست أطالب بمقاطعة منصات التواصل الاجتماعي، بل بالعكس أجزم أن التفاعل المدروس والموزون يؤدي إلى نتائج إيجابية متعددة، سواء على الصعيد المهني، والاقتصادي، والاجتماعي، وحتى النفسي، ولنا العبرة في الكثيرين ممن تقدموا إلى الأمام، واكتسبوا مهارات وعلاقات مهنية عبر منصات التواصل الاجتماعي. حين تُحسن الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي، سوف تختصر الوقت في الوصول إلى الأشخاص المناسبين، وتحوز زبدة التجارب بسهولة، وتكتسب المهارات مجاناً، لكننا دوماً ننحرف نحو متابعة الآخرين، ثم لا ندرك أننا أمسينا أسرى حُب الاستطلاع. إحدى التقنيات المتبعة هي أن تحدد أوقاتاً لتشغيل منصات التواصل الاجتماعي، وهناك تطبيقات تقوم باحتساب زمن تعرضك، وإيقافك إذا وصلت إلى حدك اليومي، حتماً سوف تتفاجأ من ضخامة حجم الوقت المهدر! ببساطة أنت من يحدد أن وقتك وحياتك هي لك أو لهم!