في عام 1967، زار الأديب والفيلسوف الفرنسي الشهير جون بول سارتر "21 يونيو 1905 - 15 أبريل 1980" القاهرة، وألقى محاضرة فى جامعة القاهرة فى حشد كبير من المثقفين والأدباء المصريين، وحينما قدمه أحد الإعلاميين المصريين بجيش من الألقاب والصفات، رسم ابتسامة باهتة وقال لمرافقه الذي يُترجم كلامه من الفرنسية للعربية: أرجوك قاسمني هذا العبء الثقيل وخذ بعضاً من تلك الألقاب والصفات التي لا أقدر على حملها بمفردي. ومجانية الألقاب والصفات والنعوت، ظاهرة إنسانية قديمة جداً، منذ أن أدرك "الإنسان الأول" بأن عبارات التفضيل وصفات التبجيل، تؤثر وبشكل كبير على البشر، فهي تمنحهم الفخامة والتعظيم، وهي حالة فطرية يبحث عنها البشر، كل البشر. إذاً، فالمشكلة فيمن يوزع الألقاب ويمنح الصفات على من يستحق ومن لا يستحق، هكذا بدون رقيب أو حسيب، سواء مجتمعي أو معني. ألقاب وصفات -بل وشهادات أكاديمية- تُمنح بالمجان على من هبّ ودبّ، بلا أدنى خجل أو مسؤولية، على شاكلة: الأديب والمثقف والمفكر والفيلسوف والعميد والرائد والشيخ والعالم والداعية والعلامة والأسطورة والكثير الكثير من الألقاب والكنى والصفات المجانية التي توزع وتُمنح هكذا بدون حسيب أو رقيب. في أول لقاء تلفزيوني لي، وذلك قبل سنوات طويلة، طلب مني مقدم البرنامج أن أضع صفة قبل اسمي لكي يعرف المشاهد من أكون وما هو تخصصي الذي بسببه تم اختياري للحديث عن موضوع تلك الحلقة وهو -كما أتذكر- عن الإعلام المحافظ وسط طغيان وسائل ومنصات الإعلام المختلفة والمتعددة. ولأنني حديث عهد باللقاءات التلفزيونية، لم أعرف الصفة أو اللقب الذي يستحق أن يسبق اسمي الذي بالكاد يعرفه أحد، فتبرع المقدم بذلك ووضع مفردة "كاتب"، أما الضيف الآخر -وهنا الشاهد في هذه الحكاية- وهو الدكتور المتخصص في عالم الإعلام، فقد طلب من المقدم أن يسبق اسمه قرابة الأربعة ألقاب، الأمر الذي وضع المقدم في إحراج فتعلل بضيق المساحة في الشاشة، ولكن هذا الأمر لم يعجب ذلك "البروفيسور"، ولكنه قبل على مضض. سأكمل هذه الحكاية اللطيفة، فقد تكون نهايتها المثيرة، تستحق أن تكون خاتمة لهذا المقال، بل لهذه الظاهرة الخطيرة والمتمثلة بمجانية الألقاب والصفات والكنى، الأمر الذي سيصنع حالة من الزيف والخداع والغرور بسبب ترويج هذه الألقاب والشهادات المجانية والمزيفة التي تُلقى على قارعة مجالس التواصل الاجتماعي. بعد ذلك اللقاء الموعود الذي ناقش قضية حساسة ومثيرة في ذلك الوقت، وأظنها مازالت كذلك في وقتنا الراهن، بعد ذلك اللقاء، ترددت وتموّجت أصداء رائعة عن ذلك "الكاتب" الذي يُشاهد لأول مرة والذي قدم معلومات شيقة ومثيرة عن مفهوم الإعلام المحافظ وخطورة وتأثير وسائل الإعلام الجديدة، لدرجة أنه تلقى العديد من الطلبات للظهور في بعض البرامج التلفزيونية والمشاركة في المهرجانات الثقافية والإعلامية، بينما تخندق ذلك "البروف" في مصطلحاته الإعلامية التي يقذفها كيفما كان باللغة الإنجليزية، ولم تُساعده تلك الألقاب والصفات المدججة في سيرته الذاتية المتضخمة بحب الذات. هل حان الوقت لوضع الألقاب والصفات والكنى في مكانها الصحيح، سواء قبل أو بعد ذلك الاسم الذي يستحق، وأن نفضح ونُجرم كل من يستخدم تلك الألقاب المكذوبة أو الصفات المدلسة؟