بات واضحاً اليوم أكثر من أي يوم مضى أن هناك فرقاً شاسعاً بين مفهومين يتردد صداهما بيننا على نطاق واسع، وأقصد صفة المتعلم وصفة المثقف، فمن خلال حوارات وعدد من الكتب بل من الواقع نفسه، يتضح أن هناك هوة واضحة وحقيقية بين هذين المفهومين، وببساطة متناهية قد تجد إنساناً متعلماً بل يضع أمام اسمه حرف الدال، للدلالة على أنه حاصل على شهادة الدكتوراة، وهي بطبيعة الحال درجة علمية عالية، لكل من وصلها الاحترام والتقدير، في المقابل هناك مصطلح فضفاض وشاسع جداً بل إذا صح التعبير غير مؤطر وهو إطلاق صفة المثقف. وغني عن القول أنها باتت صفة مشاعة يمكن لصقها بمن تريد من دون رقيب أو حسيب، بل يمكن لأي من كتب بضع كلمات في مقال أو نشر في مدونة أو حتى نشر كتاباً أن تلصق به هذه المفردة، وليست هنا المشكلة، لكن تبقى المشكلة من هو المثقف الحقيقي؟ إذا كنا اتفقنا أن المتعلم هو من حصل على مؤهل دراسي محدد، فقد ساعدتنا هذه الشهادة لتصنيفه، على الرغم من أن البعض يجادل في أن هذا ليس معياراً مناسباً؛ لأن هناك من حمل صفة المتعلم والشهادة التي يحملها تشوبها الظنون والشكوك، لكن إذا تحدثنا بصفة عامة، فإن هذا معيار مناسب، لكن تبقى مفردة المثقف عصية على التصنيف وصعب أن تسقط عليها شروط محددة. لذا أرى ومن وجهة نظر شخصية، أن صفة المثقف لا يمكن إطلاقها ذاتياً، بمعنى أن تقدم نفسك وتقول أنا المثقف فلان، مثلما يفعل من حصل على شهادة الدكتوراة على سبيل المثال عندما يقول معك الدكتور فلان، صفتك كمثقف تكتسبها من الآخرين، بمعنى أن الآخرين هم من يصفونك ويمنحونك شرف حمل هذا اللقب وليس العكس، وهنا تكون المهمة صعبة، فلن يمنحك الآخرون هذا اللقب لكونك نشرت كتاباً متواضعاً أو أن حضورك على تويتر كثيف ونحوها من الفعاليات. من سيمنحك هذه الصفة هو من سيشعر بإنسانيتك ودور قلمك وفكرك في تطوير وتنمية معرفة مجتمعك، وهذا الذي يميز المثقف الحقيقي عن المتعلم. ببساطة متناهية قد تجد من يصفك بالمثقف، لكنك لن تكسب هذه الصفة بشكل مستحق إذا كنت فقط من أدعياء الثقافة، لأن الثقافة سلوك ومبدأ ووظيفة إنسانية سامية، وهذا ما يميزها. وهو أن صفتها لا تمنح من شخص واحد أو جهة واحدة، إنما هو إجماع مجتمعي على استحقاقك لها، وهنا مربط الفرس.