غير مفاجئ لنا أن تتوهج "ذي عين"؛ لأن من نافلة القول الحديث عن أن أوفر آمالنا هنا أنها في طريقها نحو مزاحمة مثيلاتها في العالم، وهي تحظى بدعم هائل من هذه الرؤية الطامحة 2030. تلك الآمال العريضة معززة لكوننا نعيش في الوقت الشجاع، وفي أزهى أزمنة التعاطي الحيّ والمغاير مع الفنون والإبداع والثقافة والسياحة والآثار والتراث، بوصفها ذراعاً لا هامشاً، ومنتجاً قومياً بعلاماته الوطنية، لا عبئاً ومجرد تجزئة لأوقات العابرين والباحثين عن متعة آنية. مباهي هذا الوعي والجِدة النوعية تتوالى.. كمصابيح الأعراس! في "ذي عين" الحكاية عميقة، فلكي نفهم الدهشة لا بُدَّ لنا من رؤية قرية تتربع فوق جبل من المرو، تستحضر روح الأسلاف. ليالٍ من وهج وضياء عاشتها "ذي عين" تسربلت الضياء فبدت وكأنها لم تكن من الحجر، مساءات "أبريزية" أظهرت جمالها وأبرزت مفاتن ليلها الحالم. "ذي عين" الحُسن تحسبها حين تبرز مفاتنها من الفردوس نزلت أو من سلالة مدن الحلم..! الوثبة الجميلة التي تشهدها "ذي عين" جعلت منها في يوم التراث العالمي عروساً، حيث تمتد لها يد التنمية لتصنع منها أيقونة الجمال الفائق، وتشهد في كل آونة مزيداً من العمل الجاد الذي يرسمها كإحدى وجهات الجمال على خارطة الوطن. عروض الضوء بقرية ذي عين التي أقامتها هيئة التراث بالتزامن مع احتفالاتها جاءت ضمن تلك الحزمة الوافرة من الحراك الواعي الذي نجح بامتياز في تقديم تجربة جمالية باستخدام تكنولوجيا الضوء، ومثلت تلك العروض التي احتضنتها جداريات القرية حالة من المواكبة الجيدة للتطور المذهل في عالم الترفيه والتسلية، كونها -أي عروض الضوء- فن يجمع بين سحر التكنولوجيا العصرية وجمال الإضاءة خلقت تجربة بصرية لا تُنسى. دعمتها أداءات حية لتجارب محلية احتضنها المجلس التراثي الذي أقامته غرفة المخواة، وقدم عرضاً لصناعة القهوة السعودية بالبن الشدوي، وفي محيط المجلس قدمت فرق الفنون الشعبية من الفلكلور المحلي تحت الأشكال الجمالية للقرية التي جاءت كخلفية مُهيبة للأداء ومثلت سينوغرافيا مدهشة وخلاقة. استخدام بيوتات القرية كشاشة للعرض نفذت عليها العروض الضوئية الفريدة من نوعها، فكرة لطيفة جداً وأتاحت للجمهور الاستمتاع بعروض مذهلة على جدران المنازل القديمة. حيث تلاقت مهارات التحكم في زوايا العرض والأشكال المعروضة مع الإضاءة الفنية، فظهر الجمال الضوئي بأشكاله المختلفة. وساهمت التجربة في إنشاء أنماط وتصاميم مذهلة من الألوان والأشكال وخلقت لوحات بصرية متحركة تأخذ الألباب. نجاح هذه التجربة يقودنا للحديث عن رحلة التطوير ومراكمة النجاحات للتجربة كون إعادتها بذات الطريقة قد يخلق حالة من العزوف، وتظل المهارة في اختيار الألوان المناسبة وكميات الضوء الساقط والتشكيلات البصرية بحيث تخدم التصاميم متطلبات المناسبة الاحتفالية والجمالية والفنية، ميداناً واسعاً لخلق تجارب أكثر دهشة. نجاح عروض الضوء يتطلب المزيد من العمل من قبل الفريق المتخصص الذي يدير هذه التجارب من أجل توسيع موضوعات العروض لتشمل أغراضاً ترويجية وتاريخية مع الحرص على تحقيق التناغم المثالي في العروض، بما يضمن تجربة لا تُضاهى للجمهور. ويظل عرض الضوء تجربة فريدة من نوعها تجمع بين الإثارة والفن. ويعد هذا الابتكار في عروض الضوء نقلة نوعية في مفهوم الترفيه الحديث، يمكن تطويرها لتتجاوز جماليتها الفنية نحو أغراض ترويجية، عندما يتم دعمها باستخدامات أخرى، مثل: عروض طائرات الدرونز واستخدام تقنية الهولوغرام لخلق تجارب أكثر حيوية سواء كانت تلك التجارب درامية أو غنائية أو تعريفية من خلال المشاهد الحية من وحي القرية ونشاطات أهلها. وهذا التطوير والتنويع في استخدام العروض كفيل بجعل التجربة مثالاً لتحقيق تجربة استمتاع مختلفة للجمهور بحيث يعيش لحظات ساحرة تترك انطباعًا لا يُمحى.