في الوقت الذي نحتفل فيه بمرور ثمانية أعوام على "رؤية 2030" التي أعلن عنها سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- وبتوجيه من مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في 25 أبريل عام 2016، يبرز في ذهني سؤال افتراضي؛ يا ترى كيف سيكون حال السعودية اليوم لو لم تكن الرؤية؟ حتما قد يقودنا خيالنا لسيناريوهات افتراضية عديدة، خاصة أن الأعوام الثمانية الماضية شهدت أزمات عالمية كبرى، من صراعات سياسية عالمية وأزمات صحية واقتصادية استثنائية لم يشهد العالم مثيلًا لها، عصفت بالاقتصادات العالمية وبعثرت الخطط التنموية والاقتصادية للعديد من الدول، وبالتالي فإن أي خطط حكومية تقليدية كانت في أحسن أحوالها ستخفف من آثار التحديات آنفة الذكر لكنها لن تمنعها بشكل كامل، والأهم من ذلك بأنها لم تكن لتحقق تقدما ملموسًا في مؤشرات النمو والتنمية وانعكاساتها على ازدهار الوطن ورفاه المواطنين. فمثلًا، لم نكن لنشهد تراجعًا في معدلات البطالة إلى 7.7 % وهو ما تحقق بفضل الرؤية في الربع الرابع من 2023، ولم تكن معدلات البطالة لدى السعوديات لتصل إلى 13.7 %، ولبقيت مشاركتها الاقتصادية في خانة المستهلك لا المنتج، أما الإيرادات غير النفطية فكانت ستبقى رقمًا على هامش الموازنة العامة للدولة، ولشهدنا تعثر العديد من المشاريع الناشئة والمتوسطة بدلًا من مساهمتها المؤثرة في الاقتصاد الوطني كما يحدث اليوم. وعلى الصعيد الاجتماعي والثقافي، كانت المرأة ستبقى حبيسة أدوارها التقليدية، وجودة التعليم ستبقى في حدودها الدنيا، وأموال السعوديين تنفق في الخارج على الترفيه والسياحة، والأماكن الأثرية ستبقى مغلقة يعتليها غبار التاريخ، وما ينجز في دقائق اليوم من خدمات رقمية، سينجز في أيام وأسابيع بمعاملات ورقية وبيروقراطية. أما دورنا السياسي على الصعيد الإقليمي والدولي سيبقى حاضرًا بكل تأكيد كما كان دومًا لكن بزخم وفاعلية أقل تأثيرًا مما هو عليه اليوم. في الواقع، أيا كانت الإجابة فإنها لن تكون مرضية بحجم الرضا الذي يشعر فيه كل سعودي وسعودية اليوم بما شهدته مملكتنا من تحول اقتصادي واجتماعي وثقافي وإنساني هو الأضخم على مستوى العالم، فهذه الرؤية لا تُعد فقط خارطة طريق نحو المستقبل، بل هي أيضًا إعادة تعريف للهوية السعودية ونمط الحياة فيها. لقد تركزت رؤية 2030 على ثلاثة محاور رئيسة: مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطموح وطني. لتشمل الأهداف الرئيسة للرؤية زيادة نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة، تقليل الاعتماد على النفط، تعزيز القطاعات الاقتصادية المتنوعة مثل السياحة والترفيه، وتحسين جودة الحياة للمواطنين. ومنذ اطلاقتها، شهدت المملكة تقدمًا ملحوظًا في عدة جوانب. على صعيد التمكين الاقتصادي، أُطلقت مشاريع ضخمة مثل نيوم، ومشروع البحر الأحمر، ومشروع القدية، التي تهدف إلى تحويل السعودية إلى وجهة عالمية للسياحة والترفيه، كما شهدت المملكة تغييرات مجتمعية مهمة، بما في ذلك تعزيز دور المرأة في الاقتصاد والمجتمع، وإصلاحات تشريعية تعزز الشفافية والكفاءة. ولم يكن التحول الذي تشهده السعودية محدودًا بالجوانب الاقتصادية فقط، بل يمتد ليشمل تغييرات اجتماعية وثقافية عميقة، إضافة إلى الاستثمار في التعليم والصحة لتحسين نوعية الحياة وتعزيز الكفاءات الوطنية لدعم الاقتصاد المتنوع. ولسنا بحاجة لننتظر التقرير السنوي للرؤية لسنة 2023، لنقول بكل اعتزاز وفخر، ووفق لما نلمسه ونشهده، بأننا قفزنا عقودًا من الزمن خلال ال 8 أعوام الماضية، وتخطينا كل التوقعات حتى أكثرها تفاؤلا، وصار ما تراه دول وشعوب أخرى بعيدًا، أقرب إلينا من غمضة عين وانتباهتها، وكل ذلك بفضل طموح وبصيرة وعزيمة وإصرار القيادة السعودية الحكيمة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين. وبينما نحتفل بيوم الرؤية. فلا بد من الانتباه إلى أن الطريق نحو 2030 لا يزال أمامه بعض العقبات لا سيما في ظل ما تفرضه التحولات الإقليمية والعالمية المتسارعة، ولكن ما يدفعنا للتفاؤل بتجاوزها، الإنجازات التي تم تحقيقها حتى الآن والتي تؤكد على العزم السعودي على تحقيق الرؤية الطموحة رغم كل الظروف والتحديات، لبناء مستقبل مزدهر للأجيال المقبلة، في دولة تتبوأ مكانتها القيادية التي تستحق بين الأمم، ولتتحق رؤية سيدي ولي العهد القائل "طموحنا أن نبني وطنا أكثر ازدهارا يجد فيه المواطن كل ما يتمناه"، وقد صدق وعده.