يحكي لي أحد معارفي عن مدير تعين في شركة شرق أوسطية كبرى في المجال اللوجستي قبل سنوات، جاء هذا المدير وعنده وعد من الإدارة العليا بمكافأة تصل إلى عشرة بالمائة من جميع المبالغ التي سيوفرها. شحذ ذلك المدير سكاكينه ومضى بلا تردد في مهمته، حيث بدأ بفصل أعداد كبيرة من الموظفين وإحالة آخرين إلى التقاعد القسري دون النظر إلى خبراتهم أو أهميتهم أو كل ما قدموه للشركة خلال سنوات طويلة. في الخطوة التي بعدها وبعد أن فصل مجموعة من المديرين وأصبحت أعداد كبيرة من الموظفين تحت سلطته عمل على حرمانهم من أي علاوات أو مكافآت سنوية عبر إعطائهم تقييمات سيئة ومتدنية. في الخطوة التي بعدها انتقل إلى العقود وراح يوقف الاتفاقيات ويلغي الخدمات المختلفة رغم أن بعضها كان مهماً جداً من نواحي السلامة والجودة.. كان كل همّ ذلك المدير هو أن يفوز بأكبر مكافأة ممكنة دون أي اعتبار لحاضر الشركة أو مستقبلها مع تجاهل تام لحقوق الموظفين ومصلحة العمل. وفي الوقت نفسه كان يمنّي نفسه بترقية إلى منصب أعلى ليمارس ما طبقه من سلوك إجرامي في الإدارة على مستويات أعلى وعلى إدارات أخرى في الشركة.. في الواقع سار كل شيء وفق خطة ذلك المدير والذي استلم مكافأته ونال إعجاب من عينوه، ولكنه نسي شيئاً واحداً فقط.. لقد نسي دعوات المظلومين من الموظفين الذين فصلهم أو حرمهم من حقوقهم، لم تمر فترة طويلة إلا وواجهت الشركة مشكلة كبرى بسبب أحد العقود التي ألغاها ذلك المدير تتعلق بالسلامة مما فتح باب التحقيقات على مصراعيه وتم استدعاؤه ومن دعموه وعينوه وفصلهم من مناصبهم نتيجة ما تسببوا به من مشكلات وخيانتهم للأمانة والمسؤولية.. هذه القصة وما صنعه ذلك المدير تتكرر أحداثها بسيناريوهات مختلفة في قطاعات ومنظمات متنوعة وأزمنة متباينة، ولكن من القواسم التي تجمعها هي الإدارة بعقلية الجزارين، ومن السمات المشتركة لهذه النوعية من المديرين الجزارين هي: * إيقاف أو تقليل امتيازات الموظفين البسطاء وزيادة مكافآت الإدارة العليا. * تشكيك في جميع الإنجازات من العهد الماضي. * تخوين وتطفيش كل من يحسبون على الإدارة السابقة. * تكثر الإقالات والاستقالات. * إيقاف وتعطيل المشاريع تحت دواعي إعادة الدراسة والتقييم. محاولة تجميع السلطات والصلاحيات لأشخاص محددين تحت مسمى استراتيجية جديدة وإعادة هيكلة اتخاذ قرارات بما يخدم المصلحة الشخصية وليس مصلحة المنظمة. والسبب الرئيس لتسميتها بالإدارة بعقلية الجزارين لأنها متخصصة في القتل والسلخ والتقطيع، وإذا ما تم الانتهاء من الذبيحة فيتم الانتقال لذبيحة جديدة، وما يخدع في هذه العقلية الإدارية هي تحقيقها للمكاسب السريعة قصيرة المدى كمن يبيعون لحم الذبيحة، ولكن بالمقابل فالإدارة بأسلوب راعي الغنم تختلف من حيث أنها تتطلب نفساً طويلاً واهتماماً ومثابرة وفيها موارد متنوعة واستدامة وزيادة في أعداد القطيع بعكس ما يصنعه الجزارون والذين عادة لا يعمرون طويلاً في المنظمات التي تبتلى بهم.. وباختصار، تعيين وتمكين مدير يفكر ويعمل بعقلية الجزارين هو جريمة إدارية بحق الموظفين والمنظمة، لأن هذه النوعية من المديرين لا تتقن سوى الخراب والتدمير وهمها هو مصالحها الشخصية الضيقة فقط دون اعتبار لمصلحة المنظمة ومستقبلها، وإذا كنت في موقع لاتخاذ القرار فاحذر منهم، وإياك أن تدعمهم أو تبارك أفعالهم الظالمة، لأن الجزار إذا فرغ من الذبيحة قد يعتبرك ضحيته المقبلة.