قبل سنوات طويلة كان عندي مدير على علاقة متميزة مع المحاسب. وكانا لا يأتيان للدوام إلا بعد الواحدة ظهراً ويتعمدان البقاء في المكتب لساعات طويلة بعد انتهاء الدوام في الحديث وربما يتخللها غداء وعشاء ويصرفان بعدها لأنفسهم خارج الدوام. بالمقابل كان هنالك موظفون كثر يعملون بكفاءة خلال الدوام وساعات طويلة خارج أوقات العمل وفي الإجازات دون أن تصرف لهم أي مكافأة ولعدة أشهر. وكلما كنت استفسر من المحاسب عن حقوق الموظفين البسيطين كان يجيبني بأن البند لا يسمح لأن هنالك عجزا. وتمر فترة ويتوجه ذلك المدير لإجازة سنوية طويلة وتم تكليفي بالإدارة بالإنابة. وبعد الاطلاع على التقارير المالية تبين أن ذلك المدير كان يصرف مكافآته ومكافآت المحاسب فقط مع التجاهل التام لبقية الموظفين. ووقت التقييم السنوي كان المدير يمنح المحاسب أعلى الدرجات ويخسف ببقية الموظفين رغم الفرق الشاسع في الأمانة والكفاءة بين المحاسب والموظفين المتميزين. وبعد التشاور مع الإدارة العليا وأخذ الموافقات الرسمية، صرفت جميع مكافآت الموظفين المتأخرة ماعدا مكافأتي ومكافأة المدير والمحاسب.. مع العلم أن مجموع المكافآت المتراكمة لجميع الموظفين لأشهر لم يكن ليصل لمكافآت شهر واحد كان يستلمها المدير وصاحبه المحاسب.. تعاملت الإدارة العليا لاحقاً مع ذلك الوضع المأساوي وتم نقل المحاسب لوظيفة أخرى بعيدة عن المالية ونقل المدير لوظيفة غير إدارية وغادرت لأعمل في منظمة أخرى. ورغم مرور سنوات طويلة، إلا أنني اعتز بهذا الموقف في مسيرتي المهنية والإنسانية وكم هو شعور رائع عندما تحاول أن تقف بحزم واحترام لإعادة الحق لأصحابه من أمام المطففين في الإدارة.. وإذا كان اللفظ القرآني في سورة المطففين جاء لمن يبخسون الناس حقوقهم في المكاييل والموازين في البيع والشراء والمعاملات التجارية فبرأيي المتواضع أراها تشمل العمل الإداري والقيادي. فالمدير الذي يبخس الموظفين في التقييم ويحرمهم من العلاوات السنوية والمكافآت من المطففين. والمدير الذي يرفع التقارير الكيدية لتحطيم من حوله من الموظفين المتميزين من المطففين. والمدير الذي لا يحترم أوقات الإجازات وخارج الدوام ويشغل موظفين باستمرار من المطففين. والمدير الذي يسرق إنجازات الآخرين وينسبها لنفسه ويهمش دورهم وعملهم من المطففين. والمدير الذي يحابي أصدقاءه وشلته ويتعامل بصلافة مع بقية الموظفين من المطففين. والمدير الذي يتعمد تأخير معاملات زملائه وتعطيلها ووضع العراقيل أمامها من المطففين. والشركات والمنظمات التي تستوفي كل حقوقها وزيادة من الموظفين وتحرمهم من حقوقهم ومميزاتهم من المطففين. وأختم برسالة لكل القادة الظالمين والمطففين في الإدارة بأن تذكروا كلماته عزوجل:( أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ*يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )