في عودة لفخامة اللقاءات التلفزيونية التي تعتمد على المحتوى الغني والحوار الصحفي المحترف وبعيداً عن الاهتمام بالديكورات أو حتى الانتقال إلى مرحلة اللقاء بدون «شماغ أو غترة» وديكور الميكروفونات الضخمة في اللقاء أو ما يُطلق عليه «البودكاست»، وجدت أن الزميل مفيد النويصر وببرنامجه «حوار مع مفيد» أعاد لنا اللقاء التلفزيوني الحقيقي، وذكرنا بالبرامج التاريخية التي أسست مفهوم الحوار التلفزيوني، الذي يعتمد على فكرة جذابة وضيوف مختلفين ومتنوعين ولديهم المعلومة والأرقام والأهم ديكور بسيط لا يشتت المشاهد، والأهم إعداد تلفزيوني جيد ومحاور نبيه ومحترف. الانتقال من سلاسة نجاحات حققها النويصر في الفترة الماضية وكادت استمراريتها أن تنعكس على التوهج الذي بدأت به حلقات «من الصفر»، هي مرحلة ذكية ومهمة وفيها مغامرة عندما تم إعداد برنامج مفيد الجديد، في الإعلام هناك ذكاء في تحويل ضيوف قد لا يكونون نجوما إعلاميين، إلى نجوم يكونوا حديث الناس، فليس هناك جديد أن تأتي بضيف نجم وتلتقي به بصورة مكررة، صحيح أنه سيلفت الانتباه للبرنامج وللمضيف، ولكن في زمننا المتسارع لم يعد هذا الأمر هو المهم، لوصول أحياناً بعض النجوم مرحلة التشبع الإعلامي عند جمهورهم، إلا إذا كان هناك أمر غير عادي أو حديث فيه طرافة أو أحياناً غباء يستمتع المشاهدين بتناقله ويذهب بصورة سريعة! شخصياً انبهرت بالتنوع الذي شاهدته بالبرنامج خلال حلقاته الماضية، وكنت أسأل من أين جاء مفيد بهذه التوليفة من الشخصيات التي حافظت وبطريقة عفوية على رتم البرنامج والتشويق فيه، وبطريقة سلسة، ودون تدخل أو حكي كثير أو تنظير من مقدم البرنامج كما هو حاصل حالياً مع الكثير من البرامج التي يتحدث فيها «المقدم» أكثر من الضيف..! شخصيات سعودية عريقة من أكبر بيوت التجارة بالسعودية، لم نتعرف على إرثهم التجاري وسمعتهم التجارية التي تجاوز بعضها المائة عام، بل تعرفنا على أسرار نجاحاتهم بالقيم والأخلاقيات والتعاملات التي كانوا يديرون أعمالهم بها، إمبراطوريات تجارية سعودية وخليجية وعربية، جمعهم مفيد بحوارات مفيدة بكل ما تعنيه الكلمة، الأمر ليس حديثاً عن مليارات الريالات وإنما حديث عن الأخلاقيات التي دعمت وساهمت باستمرار نمو هذه المليارات. شخصيات متنوعة بالعقار والملابس والإعلام والأكل والشرب والنقل ومحطات الوقود والديكور وجميع مناحي الحياة تقريباً، تعرفنا على تاريخهم وبحوار بسيط وعفوي، وأسرار ومعلومات يتم الكشف عنها لأول مرة، والقاسم المشترك بينهم جميعا باللغة الأهم وهي لغة المال، المليارات التي يديرونها، فكان قلبي مع الزميل مفيد وهو يستمع يومياً وبقرب شديد عبر البرنامج لرحلة المليارات من الريالات، ويشوقنا بحماس أن نتخيل أنفسنا مكان كل ضيف عند بداياته، فكان لا بد أن نطلق على مقدم البرنامج «شاهبندر التجار» من الناحية المعنوية لأنه جمع كل هذه الأسماء وباحترافية تحت مظلة برنامج مختلف بالفعل، لأنه أعادنا لهيبة الحوارات التلفزيونية بعيداً عن الهرجة وخلافها، رئيس التجار مفيد النويصر يستحق هذا اللقب ليس لأنه أغناهم مالياً ولكن لأنه استطاع أن يقنع هؤلاء المتميزين للظهور الإعلامي بالصورة التي شاهدناها.