لم يكن يدر في خلد الطفل الجنوبي (أحمد) الذي ولد في منطقة حدودية عام 1974م أن شغفه سيتعدى حدود الطموح الذي يكتنزه في روحه الغضة، ليصل إلى أعلى مراتب العلم والمعرفة الجامعية. إنه الدكتور أحمد عيسى الهلالي الذي انتقل في عمر الرابعة من (حالة عمّار) شمالاً، حيث كان يعمل والده في المجال العسكري إلى (أضم) جنوباً، حيث أكمل تعليمه الابتدائي والمتوسط. وفي المرحلة الثانوية التي لم يكملها نظراً لزواجه المبكر، والذي يملي عليه المسؤولية أن يلتحق بأي وظيفة يعول بها أسرته الصغيرة، التحق بالسلك العسكري وتحديداً بالأمن العام في جدة ليكمل دورته العسكرية ويحصل على رتبة عريف. إلا أن شغفه بالعلم لم يتوقف، إذ يستطرد الهلالي قائلاً: تقدمت لمدارس الفيصل الليلية بجدة لإكمال دراستي وإرضاء والدي الذي كان حريصاً على الاستمرار في تعليمي، ولم أقبل إلا في السنة الثانية للتقديم، لأكمل الثانوية وأنا على رأس العمل. ومن هنا اشتعل حماس الهلالي ليواصل دراسته الجامعية وهو يقوم بمهامه كرجل أمن ملتزم بواجباته الوطنية، ذهب إلى الضابط المسؤول عن فرقته ليستأذن منه ويتفهم طبيعة دراسته بما يتوافق مع عمله ويأذن له بالالتحاق بالجامعة. الضابط أبدى موافقته بسرور بالغ، إلا أن أحد الأفراد ألهب حماس الهلالي بجملة استحقر فيها هذه الخطوة عندما قال: "ما باقي إلا هذي الأشكال تدخل الجامعة!". يضيف الهلالي: هذه الجملة التي أطلقها ذلك العسكري -سامحه الله وجزاه الله خيراً– أدخلتني في معمعة التحدي لأثبت لنفسي أولاً ولكل أقراني أن (هذي الأشكال) ستنجز وتنجح وتنطلق إلى ما هو أبعد مما هو متوقع. ولعل الهلالي في بداية دراسته الجامعية –كما يقول- كان يرغب في دراسة اللغة الإنجليزية إلا أن الأقدار تأخذه نحو مسار اللغة العربية، حيث استطاع أن يوائم بين العمل الميداني في الأمن العام والدراسة الصباحية الجامعية رغم المشقة والجهد المتواصل ليل نهار بين العمل والتعليم. إلى هنا والهلالي مازال الحس الأمني هاجساً يشغل تفكيره، حيث يطمح بعد إنهاء المرحلة الجامعية إلى الالتحاق بكلية الملك فهد الأمنية ليصبح ضابطاً في الأمن العام، ولكن وقبل تخرجه بسنة من الجامعة صدر قرار بإيقاف تأهيل الجامعيين الأفراد إلى ضباط، ورغم المحاولات هنا وهناك إلا أن المسار اتجه للتعليم، حيث استقال الهلالي من المجال العسكري، ليتعين مدرساً في مدارس الأبناء بمدينة الملك خالد العسكرية بحفر الباطن. من هنا كانت نقطة التحول، إنه العريف الذي أصبح معلماً، ليمتثل قول المتنبي: إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم وينتقل إلى الطائف بطلب استثنائي نظراً لظروف والدته الصحية، ويلتحق بعدها في برنامج الماجستير في جامعة أم القرى الذي لم يقبل فيه.. فقد القبول ولم يفقد الأمل ليلتحق بعدها ببرنامج الماجستير المسائي بجامعة الطائف وهو على رأس العمل بوزارة التعليم. يكمل الهلالي قصة الكفاح قائلاً: بعد أن حصلت على درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها حصلت على وظيفة محاضر في جامعة الطائف، وكانت وظيفة شاغرة واحدة لأكثر من 26 متقدماً، ولكني آثرت أن أمضي قدماً لأتقدم بطلب دراسة الدكتوراة في الجامعة الإسلامية على الرغم من أنها كانت برسوم، إضافة إلى عدم التفرغ، حيث كنت أعمل في الطائف وأسافر إلى المدينةالمنورة في نفس اليوم لأكمل دراسة السنة المنهجية للدكتوراة، لتنتهي هذه السنة المنهجية بمكابداتها وعذاباتها، وأكمل بعدها الدراسة لأحصل على الدكتوراة بامتياز، وها أنا أترقى بكل فخر لأصل إلى أستاذ دكتور في جامعة الطائف، بفضل الله ثم بفضل ذلك الشاب العسكري الطموح الذي ثابر وناضل حتى تجاوز الصعاب، وأهدي كل هذا الإنجاز إلى والدي العظيم وأسرتي الكريمة وكل من ساندني في هذه المسيرة العصامية. الهلالي بزيّه العسكري ومسيرة كفاح ملهمة