لا غنى عن (المنسف) على مائدة الإفطار تتنوع مظاهر وعادات شهر رمضان المبارك من بلد إلى بلد آخر في العالم الإسلامي نستضيف اليوم الدكتور هيثم صالح أبو الفول سفير المملكة الأردنية الهاشمية لدى المملكة ليحدثنا عن رمضان في الأردن قديماً وحديثاً وعن العادات والتقاليد الأردنية خلال هذا الشهر المبارك فإلى الحوار: -ماذا بقي من ذكريات سنواتكم الأولى في الصيام؟ وكيف كانت أجواء رمضان في الأردن قديماً؟ أشكرك على هذا السؤال الذي شدني للحنين للماضي والذكريات الجميلة في سنوات مضت. فعائلتي، وكباقي العائلات الأردنية، غرست بي حب الصيام والتعلق بفضائل هذا الشهر الفضيل منذ الصغر. وقد كانت البدايات بتشجيعنا كأطفال على الصيام ومكافأتنا في حال أكملنا صيام اليوم. وعلى ما أذكر فعندما كنت صغيراً، كنت وأشقائي وأولاد الحي نتنافس على من يكمل صيام شهر رمضان دون أن يفطر أي يوم، ونفرح كثيراً عند إكمالنا الصيام وأعتقد أن المرة الأولى التي أكملت بها صيام الشهر بالكامل عندما كان عمري 9 أو 10 سنوات. وفي رمضان، كنا نفرح عند إيقاظنا من النوم لتناول وجبة السحور، ونحرص ونحن صغار أن نرافق أهالينا عند الذهاب لصلاتي الفجر والتراويح، ونحافظ على قراءة القرآن الكريم بنية ختم المصحف الشريف. كما نستمتع بالأجواء الرمضانية، وما يتخللها من بهجة وسرور رغم البساطة ولكنها أجواء ممتلئة بالخير والعطاء، وكنا نفرح عند سماع صوت "المدفع" الذي كان يرافق آذان المغرب في رمضان. ومأدبة الإفطار كانت على الدوام تضم عدداً من الأطباق اللذيذة ويكون في الغالب معنا على الإفطار الأقارب أو الجيران. -متى كان أول رمضان تصومه خارج البلاد؟ أول رمضان صمته خارج الأردن كان في مالطا عام 1995م وذلك أثناء التحاقي بدراسة ماجستير الدبلوماسية في أكاديمية البحر المتوسط للدراسات الدبلوماسية. وكانت زوجتي برفقتي في مالطا وكانت تحرص على أن لا نشعر بأي غربة أو اختلاف في الأجواء الرمضانية، فكانت تشغل المذياع للاستماع إلى القرآن الكريم قبل آذان المغرب، وتشغل تسجيل الآذان قبل الإفطار. وعادة ما كنا ندعو عدداً من الطلاب المسلمين المقيمين معنا في نفس المجمع السكني لتناول مأدبة الإفطار سوياً، ونستمتع بجلسات رمضانية ونتذوق حلوى "القطائف" التي كانت تعدها زوجتي. -ما العادات والتقاليد الأردنية خلال شهر رمضان المبارك؟ شهر رمضان هو شهر عبادة وخير وبركة. ويتميز هذا الشهر الفضيل في الأردن بجانبه الروحي والأجواء التي تسودها المحبة والألفة والترابط الاجتماعي، وفي بداية هذا الشهر المبارك يتم تبادل المباركات والتهاني بين الناس، والإقبال المتزايد على قراءة القرآن الكريم، وتزدحم المساجد بالمصلين خلال الصلاوات الخمس وصلاة التراويح، علاوة على الإقبال على المشاركة في أعمال البر والأحسان. وفي شهر رمضان يلمس المرء بشكل واضح الحرص على صلة الرحم والتزاور بين الأرحام والأقارب والأصدقاء والالتقاء في جلسات رمضانية مسائية. ومن العادات والتقاليد الأردنية في رمضان الاهتمام بأن تجمع مأدبة الأفطار عدد من العائلات أو المعارف للإفطار سوياً، في تقليد يرسخ صلة الأرحام والعلاقات الاجتماعية. وتجد العديد من الناس ينصتون إلى حديث الغروب الديني وتلاوة القرآن التي تبث على التلفاز قبيل آذان المغرب، وهم مجتمعين على مأدبة الإفطار. ومن العادات الجميلة لدى المجتمع الأردني "الطُعمة" أي تبادل الأطباق الرمضانية بين الجيران قبيل آذان المغرب. كما تنتشر في شهر رمضان الموائد الرمضانية الخيرية كشكل من أشكال التكافل والتضامن الاجتماعي. والزائر للأردن في رمضان يلمس المظاهر الاحتفالية بهذا الشهر الفضيل كالزينة المضاءة في الشوارع وعلى المنازل وخاصة الأهلة والفوانيس، كما تزدحم بعض الأماكن بمن يريد شراء القطائف والحلويات و"خبز رمضان" والعصائر الرمضانية. ولعل من أبرز المظاهر الأردنية أيضاً في ليالي رمضان "المسحراتي" الذي يجوب الشوارع في عمان قبل الفجر قارعاً الطبل، وبصوت عذب يحفز النائمين على الاستيقاظ لقيام الليل وتناول وجبة السحور. وفي رمضان، وقبيل آذان المغرب، ينتشر المتطوعين عند تقاطعات الإشارات الضوئية لتوزيع الماء والتمر على من لم يسعفهم الوقت للوصول لمنازلهم للإفطار، في مشهد يعبر عن روح التكافل والتآخي والتضامن الذي يجسده هذا الشهر الكريم. - ما الأطباق المشهورة بها المائدة الرمضانية الأردنية؟ يتميز المطبخ الأردني بغناه وتنوعه، لذا تجد العديد من الأطباق الأردنية الشهيرة والتقليدية التي تزين مائدة الإفطار ومن هذه الأطباق "المنسف" الذي يعد سيد المائدة، والمقلوبة، والبخاري، والأوزي، وورق الدوالي والكوسا، والكفتة، والمكمورة، والمسخن، وغيرها من الأكلات التي قد تحوي على أرز أو خضار. ويكون على المائدة تشكيلة من السلطات والسمبوسة والمخلالات، إلى جانب الشوربة التي يتم البدء بتناولها على المائدة بعد تناول حبة التمر عند آذان المغرب. ومن الشوربات المعروفة، شوربة الفريكة والعدس والشعرية وشوربة الخضار. أما الحلوى، فأهمها "القطايف" المتواجدة بشكل يومي وتكون محشوة بالجوز أو الجبنة، والكنافة، و"اللزاقيات"، وهناك عصائر خاصة بشهر رمضان كقمر الدين والتمر الهندي والعرق سوس وعصير الليمون، واللبن. -يحظى العُمّار والزوّار خلال شهر رمضان المبارك بمنظومة خدمات متكاملة لتسهيل أداء عباداتهم بكل يسر وسهولة واطمئنان، كيف يرى سعادتكم عناية حكومة المملكة بالحرمين الشريفين خصوصاً في هذا الشهر الكريم؟ من الواضح للجميع الأهمية البالغة التي يوليها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله للعناية بالحرمين الشريفين، وتسخير كافة الإمكانيات والقدرات لتطوير الخدمات، بشكل متواصل ومستمر، للتيسير على ضيوف الرحمن، وتوفير منظومة خدمات ذات جودة عالية ومرافق متطورة لراحتهم. فالمملكة العربية السعودية لا تدخر جهداً أو سبيلاً في توفير أفضل وأيسر الخدمات للحجاج والمعتمرين وزوار الحرمين الشريفين. وشخصياً لمست التطور المستمر والموصول في العناية بالحرمين الشريفين، حيث أنني قبل نحو 40 عاماً، وتحديداً في العام 1405ه أديت مناسك العمرة، كما اعتمرت أيضاً في صيف عام 1427 ه في العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم، وأديت فريضة الحج عام 1428 ه، ويسر الله لي أداء مناسك العمرة مجدداً قبل بضعة أشهر. ولمست عن قُرب خلال هذه الزيارات التنظيم المتميز لأداء المناسك، وتقديم التسهيلات بكل الإمكانيات، والتحديث المستمر في جودة الخدمات من خلال مواكبة التقنيات الحديثة وكل ما هو ابتكار جديد، للتيسير والتسهيل على ضيوف الرحمن، وتوفير أفضل سبل الراحة لهم، وأثراء تجربتهم.