ما يميز المؤلفات التي يُصدرها باحثون ذوو خبرة واسعة في البحث والتأليف في ميدان التراث الشعبي أن القارئ موعود بالمتعة وبالفائدة دائماً، وتزداد المتعة كلما كان موضوع البحث موضوعاً مُهملاً أو لم ينل ما يستحقه من البحث والدراسة، وينطبق هذا الأمر على موضوع كتاب (عرائس الشعر النبطي: قصائد المدح الحوارية في تراث القصيدة النبطية) للباحث والمؤرخ القدير الأستاذ إبراهيم الخالدي. فكثير من المهتمين بالشعر الشعبي لديهم معرفة محدودة بنمط رائع من قصائد المدح يُسمّى: عرائس الشعر، لكنهم قد لا يُدركون تاريخ هذا الفن ولا العوامل التي أدّت إلى ازدهاره ثم اندثاره شبه التام من شعرنا المعاصر، وقد يتساءل أحدهم: ما السر وراء توقف عروس الشعر عن البحث عن عريس يليق بها وتليق به؟! عروس الشعر النبطي: قصيدة بديعة في بنائها يُصوّرها الشاعر في هيئة فتاة فاتنة وفائقة الجمال، وذات حسب ونسب، تطلب مساعدته في اختيار زوج مناسب لها وجدير بكل ما تتسم به من الحُسن والدلال، فيبدأ في اقتراح أزواج أكفاء من أعلام الأمراء والوجهاء والأصدقاء، ولكنها في كل مرّة ترفض العريس المقترح بذكر سبب يبرر رفضها، وكثيراً ما يمتد لسانها بهجائه هجاءً قد لا يستحقه لتأكيد رغبتها عنه، ثم تستمر في الرفض إلى أن يعرض عليها الشاعر الشخص المقصود بالمدح فتقبل الاقتران به، وتفضّله على جميع مَن ذمتهم أو مدحتهم. تحت عنوان «العزوف عن نظم العرائس حديثاً» أورد الخالدي آراء عدد من الشعراء والباحثين، من بينهم الشاعر أحمد الناصر الشايع (ت1438ه)، وزميلنا الأستاذ ناصر الحميضي، تُبيّن السبب الرئيس لعزوف الشعراء الشعبيين عن نظم مدائحهم في قالب عرائس الشعر في أيامنا هذه، وهو ما تتضمّنه من هجاء مقذع لبعض الأشخاص والقبائل والبلدان، وقد اتفق المؤلف مع تلك الآراء وأكّد أن: «في كثير منها تجنٍّ على الحقيقة وإساءة لا يستحقها من وجهت إليه». وذكر في تمهيده أنه حرص، قدر الإمكان، على نشر نصوص العرائس كاملة مع «الاعتذار لمن أسيء لهم في بعض القصائد»، ويُحسب له التزامه بهذا الأمر على الرغم مما فيه من حساسية ومخاطرة، إذ لم يُسقط إلا أربعة أبيات من إحدى العرائس ذكر أن فيها هجاءً غير مبرر لأحد الحكام. ويلفت كتاب (عرائس الشعر النبطي) انتباهنا إلى العديد من الأمور المهمة المتعلقة بنمط العرائس، منها أن الهجاء الذي يرد على لسان عروس الشعر لم يكن يمر مرور الكرام دائماً، بل قد يورط الشاعر في مشكلة مع مَن وقع عليهم الهجاء، أو مع أحدهم، كما حدث مع الشاعر عبد الكريم الأصقه (ت1320ه). كما نبهنا إلى أن عروس الشعر لا تتسم بالوقاحة دائماً، وقد تعتذر، في حالات كثيرة، عن قبول العريس المعروض عليها اعتذاراً لطيفاً ومهذباً ليس فيه أي إساءة، كأن تقول إن لديه زوجة جميلة تعشقه، أو تذكر أنه مولع بالقنص أو بتعدد الزوجات، أو مشغول بشؤون الحياة كالعبادة أو التجارة، أو تكتفي بالإشادة به، ثم تعتذر برغبتها عنه بلباقة ودون إبداء سبب واضح. المبالغة في الذم وتضخيم عيوب مَن يقترحهم الشاعر أزواجاً على العروس خاصية بارزة في قصائد العرائس، وهي خاصية خطيرة لمساسها بقبائل أو بلدان أو شخصيات بارزة، ويمكن أن تعد هذه الخاصية عيباً من جهة لمساهمتها في عزوف الشعراء عن طرق هذا الباب الشعري اتقاءً للمشاكل، ومن جهة أخرى يُمكن أن يكون حضور أسماء الأعلام والبلدان والقبائل مزية من المزايا التي جذبت المتلقين لقصائد العرائس، ومنحت أبياتها حيوية تُضاف لحيوية «النمط المروبع» التي نُظمت عليها. إضافة إلى عنايته بالجانبين: النقدي والتاريخي، تميز كتاب (عرائس الشعر النبطي) للخالدي، بأنّه يتضمن دعوة غير صريحة للاتجاه نحو البحث عن الأسباب الحقيقية وراء اندثار أو انحسار أنواع معنية من آدابنا الشعبية، لاسيما أن التعليل البسيط والسريع غالباً ما يجزم بأن السبب هو ولادة أنواع بديلة تناسب أذواق الأجيال الجديدة، وهو تعليل قد يصح أحياناً، ولكنه يُخالف الصواب في كثير من الأحيان. أحمد الناصر الشايع ناصر الحميضي غلاف عرائس الشعر النبطي بداح السبيعي