كثيرة هي البصمات الواضحة والمميزة التي تركها الأستاذ تركي السديري –رحمه الله- خلال مسيرته الإعلامية الطويلة والناجحة، وفيما يخص الشعر النبطي والأدب الشعبي عموماً، كان السديري أحد المثقفين الذين عشقوا الشعر النبطي وآمنوا بقيمته الأدبية والإبداعية، ولم يمنعه الاهتمام بالشأن السياسي في زاويته (لقاء) من تخصيص العديد من مقالاته للكتابة عن قضايا مهمة تتعلق بالشعر النبطي، وعن شعراء النبط الكبار الذين لم يتردد يوماً في التصريح عن إعجابه الكبير بمواهبهم وبمستوى إنتاجهم الشعري، وكذلك إعجابه بالأفكار والصور التي تضمّنتها قصائدهم البديعة والخالدة. وكثيراً ما تقابلنا في مقالاته أبيات ابن لعبون وابن ربيعة والهزاني وحنيف بن سعيدان وابن سبيّل وشليويح العطاوي وابن حثلين وكثير من أولئك الشعراء المبدعين. ويتضح لنا دائماً ميل السديري إلى الشعر القديم الذي تتسم لغته بالعفوية والتلقائية والصدق في تصوير المواقف والأحداث، وهي سمة من أبرز السمات التي ميّزت الشعر النبطي القديم عن كثير من قصائد شعراء الأجيال الجديدة. لكنه لم يكن يوماً متطرفاً في عشقه للشعر القديم، بل كان ينظر بعين الإنصاف لإنتاج الشعراء المعاصرين وأشاد بتجارب المبدعين منهم كالأمير خالد الفيصل والشاعر أحمد الناصر الشايع رحمه الله. يتجلى لنا شغف المرحوم –بإذن الله- تركي السديري بالشعر النبطي في حرصه على الاستشهاد بكثير من الأبيات المميزة في مقالاته وحرصه على تأمل جمالياتها والحديث عن مهارة مبدعيها في نقل واقعهم وواقع المجتمع الذي عاشوا في وسطه بدقة وصدق، لكن عشقه للشعر النبطي وإعجابه بمبدعيه لم يمنعه من نقده ومن الحديث عن تراجع مستوى كثير من الشعراء في العقدين الأخيرين، ولم يمنعه من انتقاد الظواهر السلبية التي برزت في السنوات الأخيرة في ساحة الشعر النبطي، ولعل أوضحها للمتابع: اتجاه الشعراء المبالغ فيه نحو غرض المدح، أو الاستجداء الذي يتقنّع بقناع المدح، على حساب الأغراض والموضوعات الأخرى. الظاهرة الأخرى التي انتقدها السديري غياب هوية الشاعر، وتشابه طرح الشعراء إلى حدٍ كبير نتيجة تركيزهم على مواضيع محدّدة من دون كبير اهتمام بالتجديد أو بالبحث عن مواطن الإبداع والدهشة. إضافة إلى تجلّي عشق السديري للشعر النبطي من خلال كتاباته لا أبالغ في القول بأنه أكثر رؤساء التحرير تشجيعاً ودعماً لصفحات الشعر النبطي ولكتابها، فقد ظلّ لسنوات طويلة داعماً لصفحة (خزامى الصحارى)، وحريصاً على مستوى القصائد والمواد الصحفية التي تنشرها، كما كان له دور مميز في تشجيع الشعراء المبدعين ومساعدتهم على نشر قصائدهم ووصولها إلى القراء في صورة بهيّة تليق بهم وبالشعر النبطي كأدب يستحق الاهتمام والتقدير. رحم الله أستاذنا تركي السديري: الرجل الشجاع، والقائد الإعلامي القدير، وعاشق الشعر والتراث الشعبي.