عقب مرحلة عصيبة عاشتها الأمة الإسلامية ردحاً من الزمن نتيجة الفتن الطائفية المفتعلة والصراعات المذهبية المصطنعة، فإننا اليوم بعد مؤتمر (بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية) الذي انعقد في خير بقاع الأرض وأقدسها مدينة النور ووهج الرسالة مكةالمكرمة، وفي خير توقيت وأيام مباركة من شهر الله الفضيل رمضان المبارك، خرجنا والإيمان يملأ قلوبنا لأول مرة، بأننا بفضل توجيهات القيادة الرشيدة في المملكة العربية السعودية وجهود رابطة العالم الإسلامي، استطعنا أن نحقق التواصل والتقارب والحوار المباشر السني الشيعي بفضل جهود علماء ربانيين من المذاهب الإسلامية همهم الوحيد تحقيق بناء الجسور والتعاون بين المذاهب الإسلامية مع الابتعاد عن الإقصاء ومخاطر التصنيف، والتأكيد على احترام مبدأ الاختلاف وثقافة التنوع التي تخدم قضايا المسلمين ومستقبل الأمة، وتحصينها من التحديات الداخلية والخارجية التي تحيط بها. وإن هذا المؤتمر تاريخي بامتياز بملحظ ما ترك من انطباع إيجابي لدى المشاركين بأنهم يمتلكون القدرة والعلم والنية الصافية لاستيعاب التنوع المذهبي الذي يعد أمراً إنسانياً وسنة إلهية، وكسر حاجز الجليد بين أتباع المذاهب الإسلامية، بالتأكيد على أن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، لا سيما أركان الإسلام التي لا يحيد عنها أحد. إن مؤتمر بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية فتح بوابة التعارف بين المذاهب الإسلامية على رأسها المذهبين السني والشيعي. وقد وفد العلماء من كل مكان في العالم وجلسوا جميعهم على طاولة حوار واحدة. واللافت أن الحوار كان مباشراً شفافاً، فعالاً وإيجابياً، استطاع خلالها المشاركون من هيئة كبار العلماء والمرجعيات الدينية الكبرى التي تمثل السنة والشيعة تحقيق الأهداف المرجوة. وإن الانفتاح الذي شهدناه بين علماء السنة والشيعة وتبادل المعلومات والمعارف وتوضيح الحقائق، كشف عن أن كل ما كان ينشر عن هذا المذهب أو ذاك هي أراجيف المغرضين الذين يسعون في هذه الأمة خراباً وتمزيقاً لتشتيتها وضرب وحدتها، وإن رسالته الأولى كانت لأتباع المذاهب من السنة والشيعة، بأن المشتركات الموحِّدة أكبر وأعمق من الاختلافات التي تصب كلها في خدمة الإسلام والمسلمين، وهو الذي سيطوي الهواجس وينهي زمن شيعة وسنة فوبيا. والرسالة الثانية كانت موجهة لأولئك الذين كانوا يصطادون في المياه العكرة لتحقيق مكاسب لا ناقة للمسلمين سنة وشيعة ولا جمل لهم فيها، فإننا في هذا المؤتمر وضعنا حداً لأولئك المغرضين المتطرفين أصحاب الرأي الإقصائي والتكفيري الذين ماتوا بغيظهم، قاطعين عليهم طريق فتنهم المشؤومة إلى غير رجعة نتيجة التعاون والتقارب والوحدة والألفة، بتحصين بيتنا الإسلامي الواحد شيعة وسنة على مبدأ (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ). لم يعد تحقيق التقارب والتآلف والتعاون بين المذاهب الإسلامية حلماً بعيد المنال، بل أصبح حقيقة ملموسة على أرض الواقع، والفضل يرجع إلى الجهود المضنية التي بذلتها رابطة العالم الإسلامي بتوجيهات أمينها العام فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، وبرعاية خاصة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله تعالى-، ومتابعة شخصية وحرص شديد من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -أيده الله وسدد خطاه- لتحقيق التقارب السني الشيعي باعتباره أحد أهم مرتكزات التعاون الإسلامي ومقومات الأمن والاستقرار في المنطقة، ووضع حد للحروب المذهبية والطائفية التي ارتكزت على معلومات مشبوهة ومغلوطة أودت بهذه الأمة على مر العصور إلى الانغماس في ظلمات دامسة. وقد أكدت المملكة العربية السعودية المؤكد بأنها ستبقى دوماً حريصة على جمع البيت الإسلامي، فهي قبلة المسلمين ومرجعيتهم الدينية، وإننا جميعاً عبر مؤتمر (بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية) ومخرجاته ووثيقته نؤكد أننا أمام فرصة تاريخية نادرة لبناء صرح هذه الأمة من جديد، وتقوية أعمدتها، وترسيخ قيمها الإسلامية المشتركة بين كل المذاهب، وتفعيل وثيقة المؤتمر التي تصب في قوله تعالى: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا)، ولتحقيق الأخوة الإسلامية (إنما المؤمنون إخوة)، وهذه الأخوة وحدها ستوصل هذه الأمة إلى بر الأمان.