في جدة وفي الأيام الأولى لوصول البريطاني جورج بيلينكن سنة 1947م زاره شخص وصفه بالمهم وهو عبدالقادر محتسب وأخبره أنه مدير البريد منذ عشرين عاما وعمره الآن 40 عاما. واستغرب مدير البريد دهشت بيلينكن حينما علم أن في جدة خدمات بريدية فكرر القول: يوزع البريد في جدة مرتين في اليوم ويبلغ عدد الرسائل الداخلية يوميا 8000 رسالة. نعم يوجد مكتب للرسائل المسجلة ومكتب للبرقيات. ويفتح المكتب الرئيس في الساعة السابعة ويغلق مع غروب الشمس ويتضمن ذلك ساعة راحة في منتصف النهار. ويستمر العمل في المكتب يوم الجمعة أيضا. كما أخبره أن مسؤولياته تصبح هائلة حينما يصل الحجاج، إذ يصل ممثلو الحجاج من جميع أنحاء العالم للترتيب للرحلات المقدسة. وأن كثيرا من الحجاج وخصوصا من ماليزيا وجاوة. يمضون ستة أشهر في الطريق حتى يصلوا الحجاز. وأن بعض الحجاج يمضون أربع سنوات لعبور أفريقيا على الأقدام بعض هؤلاء الحجاج أخبره أنهم أمضوا سبع سنوات في رحلتهم من السودان إلى الحجاز وهم يكسبون رزقهم أثناء السفر. ويخبرنا بيلنكون بأنه استقبل بعد ذلك لبنانيا اسمه فؤاد يقصد "فؤاد حمزة" الذي درس في الجامعة الأمريكية ببيروت وسوف يكون وزيرا للتخطيط عند الملك عبدالعزيز. كان فؤاد فيما مضى سفيرا للسعودية في فرنسا. أدهشه حينما خلع غطاء رأسه ودخن سيجارا ضخما. فيما بدا جليلا في ملابسه العربية كما قال شأنه في ذلك شأن معظم السعوديين وأخبره فؤاد حمزة أن السعودية تفتقر إلى الماء. ولكنه سيوفر في أكتوبر القادم بفضل مهارة التقنية البريطانية. مضيفا أن المياه ستجلب من الينابيع الطبيعية التي تبعد أربعين كيلو متر وأن المياه التي يشربونها فيما مضى هي من مياه التحلية البحرية أو من الآبار الارتوازية واستمر قائلا: لا يوجد في هذا الجانب من البحر مياه عذبة وقد تم حفر قرابة مئة قدم في العمق ولم يعثروا على الماء. لذلك فإنك حيثما تذهب في هذه الأرض ستكتشف أنهم بحاجة إلى الماء وقد كان هناك ترشيد لاستهلاك الماء قبل الحكم السعودي وعلى كل حال فقد تعاقدت السعودية مؤخرا مع شركة لندنية لبناء شبكة للمياه. الرياض بلا عمالة والسعودية تطبق الحقوق التشريعية للعمال من ناحية أخرى ذكر أن في السعودية حاليا قوانين تشريعية لحماية العمال. فمدة العمل لا تزيد على 48 ساعة في الأسبوع (بمعدل يومي 8 ساعات) ولا يشمل العمل يوم الجمعة التي تعد يوم إجازة رسمية. كان غداء اليوم الأول تجربته الأولى مع الكرم السعودي كما يقول حيث قدم الغداء في غرفة دون ديكور على طاولة بيضاء طويلة. تحت هجوم كاسح من الذباب المزعج، ولاحظ أن السفرجية السودانيين يؤدون الخدمة حفاة غير منتعلين. وتكون ذلك الغداء من ستة أنواع من أطباق اللحوم يتوالى تقديمها تباعا الواحد تلو الآخر لحم العجل ولحم الضأن والكبدة ولحم البقر. وأي طبق من هذه الأطباق يعد في لندن وجبة قائمة بذاتها. يقتضي الأمر أن تلبس لها بدلة وكرفته. بدأ الآن كما قال في استخدام مذبة طرد الذباب المفيدة التي أحضرها معه من مصر ولكن الذباب المحلي كان ماهرا في تجنب الضربات الموجهة إليه. وكان أكثر ما جذبها في هذه المناسبة هو العرق المتصبب على جباه الضيوف إضافة الى الطعام اللذيذ وعشرات الأطباق المليئة بالخضار المعروفة وغير معروفة إضافة إلى الخبز المصنوع بدون خميرة، إلا أنهم بدؤوا الآن مواجهة الحر بشرب كميات من عصير البرتقال. وصول الحجاج عن طريق البحر بوابة جدة القديمة طوابع الرسائل