ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن عبدالعزيز الهزاع - رحمه الله - ولن تكون الأخيرة، لكن هذه المرة تأتي بعد وفاته. والتي أعادت من خلالها بشريط ذكرياتي، حينما كنا أطفال كانت جدتي - رحمها الله - تتسمر بجانب الراديو حيث يبدأ البرنامج الإذاعي التمثيلي (يوميات أم حديجان في ليالي رمضان)، وتشير بيدها إلينا طالبةً منا الصمت كي تستمع للتمثيلية ويتكرر المشهد يوميا ونحن نتابع الجدة تطلق ضحكاتها وهي ترتشف فنجال الشاي الممزوج بالزنجبيل، وفي نهاية الحلقة تردد الله يوسع صدرك يا الهزاعي.. وكأنّه يستمع إليها حينما قدم بعد عدة سنوات برنامجا إذاعيا بعنوان "وسع صدرك". الحديث عن عبدالعزيز الهزاع - رحمه الله - هو الحديث عن تاريخ الفن في المملكة العربية السعودية، عن الدراما الإذاعية والدراما التلفزيونية والمسرح والمونولوج ومسرح العرائس، كما أن الحديث عن عبدالعزيز الهزاع هو الحديث عن المجتمع السعودي بمختلف شرائحه وبمختلف مراحل تغيره فأعماله (بدوي في طيارة، يوميات أم حديجان، وسع صدرك) شاهدة وراصدة لتلك المتغيرات الاجتماعية، من مرحلة البداوة إلى التمدن مرورا بمرحلة الطفرة، وغيرها من المراحل. وأجزم أن تلك الحلقات هي مرجع هام للباحثين في مجال الدراسات الاجتماعية ناهيك عن العبقرية الدرامية المبكرة التي صنعها عبدالعزيز الهزاع - رحمه الله - في تمثيلية بدوي في طيارة بتعدد شخصياتها ومفارقاتها الدرامية كانت تلك التمثيلية، نموذج فني رائد على مستوى الدراما العربية قدم على غرارها العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية. لم يكن عبدالعزيز الهزاع - رحمه الله - ممثلا فقط، كان موهبة فنية نادرة بقدرته على صناعة شخصيات متنوعة، وأدائها بوقت واحد في سياق درامي مذهل لا يمكن أن يصنعه إلا هو. الحديث عن أبي سامي يطول ويطول، وهو مادة ثرية لمشروع بحثي من مشاريع الدراسات العليا، أدعو الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.