أمضى داخل استوديوهات الإذاعة نصف قرن يجسّد قضايا المجتمع ضمن رؤية وخطاب تفاعلي مؤثر، ومن خلال أداء متفرد وجاذبية اجتماعية ومعمار حكائي درامي، وهذه الشخصية كانت هي المسلسل والمستشار وطبيب كثير من الأدواء الاجتماعية، والمدوّن للتفاصيل اليومية لحياة الناس الشعبية، والباحث عن الابتسامة من خلال إنتاجه الذي جاوز 35 ألف حلقة كما يقول. ومن مسلسلاته الإذاعية "يوميات أم حديجان، وسع صدرك، المسامح كريم، العاقل خصيم نفسه، طريق المحبة" وعشرات المونولوجات، والمسلسل الكرتوني ثلاثي الأبعاد ومسرح العرائس، وتتناول موضوعاته الأسرة ومشاكل المجتمع من بطالة وفقر وعنوسة والأفعال المشينة من حقد وكراهية وخداع واستغلال، وقد بارك موهبته الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- والشيخ عبدالله المنيع، والشيخ عبدالله المطلق.
في هذا العام يكمل "عبدالعزيز الهزاع" 50 عاماً على بداية تعامله مع الإذاعة السعودية، ولم يكّرم سوى من الأمير الراحل فيصل بن فهد -على حد قوله- وذلك عند تقاعده من عمله من الرئاسة العامة لرعاية الشباب عام 1408 كمدير للفنون المسرحية.
"سبق" التقت اليوم الثلاثاء بالفنان الشعبي القدير عبدالعزيز الهزاع، الذي عرف بشخصية "أبو حديجان" في أصبوحة ديوانية المتقاعدين الثقافية، والتي يحرص علي حضورها أسبوعيا في كل ثلاثاء بحي الوادي شمال الرياض، مشيراً إلى أن "جماعة في رجل"، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- مفتي المملكة سابقاً، حينما سمع عن إمكاناته الصوتية النادرة عبر الإذاعة، فاستدعاه وتعرف على موهبته وهدفها الأخلاقي فأطلق عليه هذا الاسم.
وقال "الهزاع": "إطلاق سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي عام المملكة -رحمه الله- عليّ وصف "جماعة في رجل"، هذا اللقب أكبر تشجيع لي؛ لأنه صدر من مفتي المملكة وشيخ كبير يقول الكلام هذا معناه أنه موافق وليس لديه مانع على ما قدّمته.
واعترض الممثل "الهزاع" على وصفه بالمنولوجست، معرّفا نفسه بكونه "ممثل يقلّد الأصوات"، وقال: "أنا لست منولوجستيا، أنا ممثل مقلّد للأصوات، وأجسّد قضايا المجتمع ضمن رؤية وخطاب تفاعلي مؤثر، باعتبار أن المونولوجست" شخص لديه القدرة على إضحاك الجمهور وتسليتهم عن طريق تقليد الآخرين، وأيضاً عن طريق الغناء وإلقاء النِّكات، وما شابهها من فكاهات".
وأضاف "الهزاع": "أنا أقوم بأدوار اجتماعية هادفة في قالب فكاهي، فالمنولوجست مختلف وهو ليس بفنّي"، وأكد أنه أول ممثل سعودي كوميدي يقوم بهذه الأدوار الاجتماعية الناقدة بقالب فني فكاهي هادف.
وأشار إلى أن بداياته كانت في الستينات عن طريق إذاعة جدة، وقال: "كنت أقوم بالإضافة لأداء الأدوار بكتابتها دراميا، واصفا تجربتيه في المسلسل الكرتوني ثلاثي الأبعاد بأنها كانت ناجحة"، مستدركا: "لكني لم أجد اليوم أحداً يتعاون معي، فعندي الآن مسلسل كرتوني جاهز بعنوان "حارة أبو حديجان"، وهو امتداد للمسلسل ثلاثي الأبعاد "أم حديجان"، بنفس الأشخاص والأدوار، مرجعا تأخر إنتاجه وظهوره إلى أنه لم يوفّق في شخص يثق به بحسب وصفه.
ولفت "الهزاع" إلى عدم نجاح كل من حاول تقليده ممن جاء بعده رغم امتلاكهم الموهبة، وعزا ذلك إلى أن ما يقدمه من أعمال صعب، ولا يستطيع أحد أداءها. وأضاف: "أنا أقدم في وقت واحد أربعة وخمسة أشخاص يتحدثون مع بعض، وفي هذا نوع من الصعوبة".
وعن تقبل الناس لبداياته من خلال المسلسل الإذاعي "يوميات أم حديجان"، قال الفنان المخضرم: "عندما قدمت أولى حلقاتي في الإذاعة السعودية في جدة؛ لم تكن الناس وقتها مستوعبة للأدوار التي أؤديّها وغير مقتنعين، بل اعتقدوا أني ساحر، وأحضّر الجنّ وما إلى ذلك من أوصاف! حتي أنني وجدت معارضة من بعض الناس، وحكموا على ما أقوم به من عمل فني بأنه حرام، ثم عادوا ومع مرور الوقت اقتنعوا وبدأوا يسمعون تمثيلياتي ومسلسلاتي الإذاعية".
وعن موهبته تحدث بقوله: "قدمت مسلسل "بدوي في الطيارة" ب 17 شخصية بأصواتها المستقلة في حوار متبادل فيما بينهم، هذا يقول وهذا يرد، وهكذا كأنهم مجموعة بما فيها المؤثرات الشخصية، ثم انطلقت بعدها وقدّمت مسلسلات إذاعية أخرى غيرها".
وأوضح الممثل "الهزاع" أن كتابه "جماعة في رجل" والذي يباع في مكتبة العبيكان هو عبارة عن سيرة ذاتية، وتوثيق لمراحل حياته الفنية، وأحصى الهزاع في هذا الصدد أعماله بما يزيد عن 35 ألف حلقة إذاعية.
وأعرب عن أسفه بعد هذا الإنتاج الضخم ألا يجد تكريما يليق بما قدمه وأنتجه للإذاعة منذ نصف قرن تقريبا، مشيراً إلى أنه لم يجد بعد هذه المسيرة الفنية الحافلة من يكرّمه سوى الأمير الراحل فيصل بن فهد -رحمه الله- عندما تقاعد من عمله "مدير الفنون المسرحية" في رعاية الشباب، حيث أقام له الراحل حفلا تكريميا في قصر الضيافة.
يذكر أن من آخر أعمال الفنان الهزاع التي قدمها المسلسل ثلاثي الأبعاد "أم حديجان"، على قناة MBC في شهر رمضان عام 1430ه، حيث عرضت في الفترة الذهبية على مدى سبع دقائق يومياً يوميات "أم حديجان" و"أبو حديجان"، وعشر شخصيات مختلفة أدّى أصواتها الممثل القدير "عبدالعزيز الهزاع" في حكايات من نسيج المجتمع السعودي، ابتداء من دخول "أبو حديجان" لعالم الأسهم، وانتهاء بقيادة "أم حديجان" للسيارة.
و "عبدالعزيز الهزاع"، ويكني ب "أبو سامي"، من مواليد 1356ه في مدينة عنيزة، وله من الأبناء تسعة: خمسة ذكور، وأربع بنات.
وقد بدأ حياته الوظيفية في عام 1369ه في وزارة المالية، ثم انتقل إلى العمل في سلك التدريس بوزارة المعارف خلال الفترة من 1371ه-1377ه، وعمل في الحرس الملكي في الفترة 1371ه-1377ه.
وانتقل إلى العمل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية اعتباراً من 1382ه، وظل يعمل في الشؤون الاجتماعية حتى تم تعديل وظيفته ونقله إلى الرئاسة العامة لرعاية الشباب حيث تدرج في العمل فيها اعتباراً من 1/ 7/ 1393ه وشغل فيها الوظائف التالية: رئيس قسم البحوث، ومدير ملعب، وأخصائي تدريب، وأخصائي فنون شعبية، ومدير الفنون المسرحية، وكانت آخر وظيفة أحيل بعدها إلى التقاعد في 1/ 7/ 1408ه على المرتبة العاشرة.