المملكة تدين وتستنكر بأشد العبارات حرق قوات الاحتلال الإسرائيلية مستشفى في غزة    مدرب قطر يفسر توديع كأس الخليج    «سلمان للإغاثة» يوزع 526 حقيبة إيوائية في أفغانستان    تحقيق أولي: تحطم الطائرة الأذربيجانية ناجم عن «تدخل خارجي»    ضبط 3 مواطنين في نجران لترويجهم (53) كجم "حشيش"    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    اتهامات لنتنياهو بعرقلتها.. تضاؤل فرص إبرام هدنة غزة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    دار الملاحظة الأجتماعية بجازان تشارك في مبادرة "التنشئة التربويه بين الواقع والمأمول "    الذهب يستقر وسط التوترات الجيوسياسية ويتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية    مدرب اليمن يستهدف فوز أول على البحرين    الفرصة لا تزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    الأمن.. ظلال وارفة    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    كرة القدم قبل القبيلة؟!    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    أهلا بالعالم    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    وسومها في خشومها    منتخبنا كان عظيماً !    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    الضحكة الساخرة.. أحشفاً وسوء كيلة !    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    رفاهية الاختيار    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    استثمار و(استحمار) !    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمن مفتاح الاستقرار

تشكل المجتمع النجدي من مزيج من البادية والحاضرة وعلى الرغم من وجودهما في المنطقة نفسها وتعايشهما إلا أن طبيعة كل منهما تختلف عن الآخر، فقد اعتاد المجتمع البدوي على الترحال الدائم بحثا عن الموارد والمياه التي يحتاج إليها في حياته واتسمت حياتهم بالتنافس المستمر وكثرة الحركة والتنقلات وعدم الاستقرار نتيجة للنزاعات الدائمة التي يتسلّط فيها القوي على الضعيف. وتميل حواضر نجد إلى الاستقرار حول الأمكنة التي تتوافر فيها مصادر المياه اللازمة لقيام الزراعة والعمران أو لعوامل أخرى تؤثر في اختيار المكان كوقوعه على طرق القوافل، ولكنها كانت هي الأخرى عرضة للصدام مع القبائل الصحراوية وتدخلاتها المستمرة.
ظلت القوة هي الفيصل في التعايش بين مكونات المجتمع المحلي في نجد، فنشأت بينهم صدامات ووقعات عدة وشبه يومية ألقت بأثرها البالغ على الحياة هناك، وكانت دافعًا قويًّا لتدخل القوى المجاورة في الشأن المحلي فيها بغية إخضاع تلك القبائل أو تأمين طرق التجارة وحماية الحجاج التابعين لتلك القوى. فتعرضت نجد إلى حملات كبيرة من هاتين القوتين في الحجاز وفي شرق الجزيرة، وقد أسهمت تلك الصراعات في إعاقة النهوض العمراني والاقتصادي والزراعي من خلال كثرة تدخلات القبائل في حياة المدن والقرى وإضعافها أو تخريبها تمامًا.
تلا ذلك ظهور قوة الدولة السعودية الأولى عام 1139ه / 1727م كقوة سياسية، وتنامي تأثيرها وهيمنتها في وسط الجزيرة العربية، فتمكنت من إعادة التوازن السياسي في المنطقة، وفرض هيبتها وحضورها على القوى الداخلية في المنطقة، والقوى المحيطة بها.
تكون المجتمع النجدي من مكوّنين أساسيين: البادية والحاضرة. تختلف طبائع كل منهما عن الآخر، عاشا في نجد معًا واستمرًا - على الرغم من كثرة الصراعات بينهما - في هذه المنطقة. برزت لدى مجتمع البادية سمات ميزته؛ فقد اعتاد البدو على الترحال الدائم بحثًا عن الموارد والمياه التي يحتاج إليها في حياته، كما اتسمت حياة البدو القبلية بالتنافس المستمر، وبكثرة الحركة والتنقل وعدم الاستقرار؛ نتيجةً للنزاعات الدائمة، التي يتسلّط فيها القوي على الضعيف، فأنتج ذلك تبادل الأدوار، فتسيطر القبيلة القوية على زمام الأمور أو على منطقة معينة، ثم ما تلبث أن تضعف، فتترك المكان لغيرها بالنزوح الكامل، أو بانصهار بقاياها في القبائل والحواضر القائمة.
أما الحاضرة فبخلاف المجتمع البدوي تميل إلى الاستقرار الحياتي، فتقيم في الأمكنة التي تتوافر فيها مصادر المياه اللازمة للزراعة والعمران، كضفاف الأودية والواحات الخصبة أو تقيم وتستقر تبعًا لعوامل أخرى تؤثر في اختيار المكان مثل وقوعه على طرق القوافل، وقد تأثرت هذه الحواضر بالصدام مع القبائل الصحراوية وتدخلاتها المستمرة.
ظلت القوة هي الفيصل في التعايش بين الحاضرة والبادية في نجد، فنشبت بينهما صدامات ووقعات عدة ومعارك كثيرة كان لها أثرها البالغ في معيشتهما. ومن أهم تلك الآثار تدخل القوى السياسية المحيطة بنجد في الشأن النجدي بغية إخضاع تلك القبائل، أو لتأمين طرق التجارة، ولحماية الحجاج التابعين لتلك القوى؛ فتعرّضت نجد من غربها لحملات كثيرة من أشراف الحجاز، ومن شرقها لغزوات بني خالد. وقد أثرت تلك الصراعات وكثرة تدخلات القبائل في حياة المدن والقرى في إضعافها أو خرابها خرابًا كاملًا، وفي إعاقة النهوض العمراني والاقتصادي والزراعي، كما سجل ذلك مؤرخو نجد.
لكن منطقة نجد شهدت حدثًا كبيرًا في عام 1139ه / 1727م، تمثل في ظهور الدولة السعودية الأولى قوةً سياسيةً مؤثّرة، بل هيمنت على نجد كلها، وعلى وسط الجزيرة العربية، وتمكنت من إيجاد توازن سياسي في المنطقة، وفرض هيبتها وحضورها على القوى الداخلية في المنطقة، والقوى المحيطة بها. وهذا ما انعكس على الأوضاع الأمنية في نجد. وتهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على الأوضاع الأمنية في نجد في القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي، وإلى معرفة أبرز القوى السياسية المسيطرة في تلك الحقبة، وإلى تحليل علاقات البادية والحاضرة في نجد بعضها بين بعض وعلاقاتهما بمحيطيهما المحلي والإقليمي. اشتملت الدراسة على مقدمة، تلاها المبحث الأول الذي اختص بمكونات المجتمع المحلي في نجد، وهي مجتمع البادية مجتمع الحاضرة. ثم المبحث الثاني والذي تناول القوى السياسية في الحجاز والاحساء ونجد بني خالد في الأحساء والأشراف في الحجاز. ثم تطرق الدراسة إلى الحديث عن الدولة السعودية الأولى ثم خاتمة، وذيلت بقائمة المصادر والمراجع.
أولا: مكونات المجتمع المحلي في نجد
تقع نجد في وسط شبه الجزيرة العربية، وقد أطلق عليها قلب شبه الجزيرة العربية، وتشمل عدة مناطق في الشمال منطقة حائل جبل» «شمر» ومنطقة القصيم، وفي الوسط منطقة العارض والشعيب وسدير والوشم والمحمل وهو ما يطلق عليها إدارياً المنطقة الوسطى، وفي الجنوب منطقة الخرج والأفلاج ووادي الدواسر، وتحد نجد من جهة الغرب جبال الحجاز ومن الشرق الأحساء ومن الشمال تحد بسواد العراق ومشارف الشام تفصل بينهما صحراء النفود، ومن الجنوب تحدها صحراء الربع الخالي (معجم القبائل والبلدان، 1435ه / 2014م، ج 10:19-205 - العريني، 1404ه / 1984م، الحياة الاجتماعية لدى بادية نجد: 4-7). وتعد منطقة نجد منطقة منغلقة في وسط الجزيرة العربية، وهي لذلك أقل مناطق الجزيرة العربية تأثرًا واختلاطًا بين العناصر غير العربية بالسكان المحليين، لأنها بعيدة عن مواطن الامتزاج السكاني، مقارنةً بالمناطق الساحلية والأماكن المقدّسة (العثيمين، 1417ه / 1997م:39).
ساد منطقة نجد صراع مستمر وتنافس على السلطة، فتغزو كل إمارة أختها وتسليها، حتى تطوّر الصراع فيما بعد بين القرى، بل داخل القرية الواحدة، وبين أفراد الأسرة الواحدة؛ فانتشر القلق والذعر وعدم الاستقرار، ويعزو ذلك صاحب لمع الشهاب الى عدم وجود رئيس قاهر يردع الظالم وينصر المظلوم (الريكي، 1426ه / 2005م: 76، العجلاني 1413ه / 1993م (36 وعانى المجتمع النجدي من ذلك تفككا وضعفًا، وكان لهذا كلّه تأثيره القوي في الاستقرار السياسي في المنطقة (بوركهارت: 45، الشبل، 1399ه/ 1978 م: 24، الجهني، 2016م :162)وقد اتخذ هذا الصراع أشكالا عدةً، حسب ما أوردته المصادر المحلية المتاحة في تلك الفترة، التي غالبًا ما تفيد بحدوث قتال، سواءً بين القبائل أو بين الحاضرة، دون أن تشير إلى سبب ذلك القتال ودوافعه السياسية، كما يختلف توثيق هذه المصادر لسنوات الحوادث الواقعة، إذ تجد أحياناً اختلافاً بين المصادر حول حادثة تاريخية، والتوقيت الزمني لها.
(1) مجتمع البادية:
يعد مجتمع البادية أحد المكوّنين الأساسيين للمجتمع المحلي في نجد والبداوة هي طبيعة الحياة القائمة على التنقل الدائم للإنسان طلباً للرزق حول مراكز،مؤقته يعتمد مدى الاستقرار فيها على كمية الموارد المعيشية المتاحة فيها ( العجاجي، 2011م 9) مثلت العلاقة التنافسية شكلا من أشكال العلاقات بين القبائل فظهر الصدام بينها، وخاصةً إذا ما كانوا متجاورين، لكنّ الغلبة كانت دومًا للأقوى، فهي الفيصل والحكم فيما يحدث من نزاعات، حتى ساد المثل المشهور: «نجد» لمن طالت قناته». وغالبًا ما تكون أسباب هذه النزاعات هي الاستحواذ على مناطق الرعي والماء، أو السيطرة على المناطق الاستراتيجية في طرق الحج والتجارة (العثيمين، نجد منذ القرن العاشر 139ه / 1978م: 27، الجهني، 2016م: 128). وقد اتخذ القتال بين البادية أشكالاً عده منها أحياناً أن يكون القتال بين أفراد القبيلة الواحدة، وذلك يمكن تفسيره بالتنافس بين أفراد القبيلة على السلطة والمشيخة أو اختلاف وجهات النظر حول أمرما (العتيبي، الوضع الأمني 2018م: ص 15) (الجهني، 2016 م:172).
أما الشكل الآخر من الصدام بين القبائل فهو بين قبيلتين، وهو ما انفردت المصادر المحلية بذكره فهو من الأحداث المهمة التي تمر على كتبة تلك المصادر، فمن ثم تسترعي انتباههم، فيعمدون إلى توثيقها. وإن اختلف التوثيق الزمني أحياناً من مصدر لأخر ومنها وقعة الجريفة عام 1104ه / 1692 م بين الفضول والظفير، ثم سنة عروى على السهول. ولقد حفل تاريخ الغزو لدى القبائل في نجد بغزوات عديدة أثرت على الوضع القبلي إذ ينتج عنها ازالة قبيلة عن مرابعها لتحل بدلاً منها قبيلة أخرى أقوى، وقد تتولى هذه القبيلة زعامة القبائل النجدية الأخرى، بل قد يتجاوز الأمر ذلك فتصبح مرهوبة الجانب من الحاضرة أيضاً، وهذا ما جعل الوضع القبلي في نجد يتغير بين فترة وأخرى.
وأحيانًا قد يتعاظم الصدام والتنافس والقتال بين القبائل، حتى يستحيل إلى صراع أصعب وأعقد، يسمى بالمناخات القبلية وتتسع دائرة المتخاصمين فيه، فيحدث اشتباك بين أكثر من قبيلة، فتضطر القبائل للدفاع عن نفسها إلى عقد تحالفات بعضها ضد بعضها الآخر. غير أن هذا الصراع لا يتجاوز المنافسة على الماء والعشب والمواقع الاستراتيجية. وقد ذكرت المصادر المحلية في تلك الفترة هذه التحالفات القبلية، وأوضحت الصراع القائم والدائر بين أفراد المجتمع المحلي، نظراً لما تحدثه هذه المناخات من تأثير سياسي سلبي في المنطقة، ومع ذلك فالمصادر المحلية قلما تذكر السبب وراء هذه المناخات القبلية.
تصاعدت الصدامات بين القبائل في النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري، وسببت تهديدا قويا للأمن في نجد عامةً. وبهذا وصل الوضع الامني في نجد الى أعلى درجات التدهور، في ظل قل الموارد الاقتصادية، وتعدد الأزمات البيئية من قل المطر وسنوات الجدب، وتفشي الامراض، وهلاك الماشية و انتشار الأمراض، وكذلك تلف المزروعات أحيانا وحينها بدأ أفراد القبائل والمجتمع بكاملة يرفضون هذه الصدامات ويمقتونها، فقد أرهقتهم ماديًا وبشريًّا، وشكّل هذا دافعًا قويًّا للبحث عن الأمن والاستقرار في ظل سلطة سياسية قوية (الحربي، 1423ه 153)، وفيما يلي جدول يوضح الأزمات والكوارث الطبيعية التي مرت على مجتمع نجد خلال فترة الدراسة، وتم توثيقها من المصادر المحلية
الترتيب الزمني للأحداث.. الوضع البيئي
1100ه / 1688م.. برد شديد ومطر وسميت (سليسل)
1101ه / 1689م.. دبا صغار الجراد أكل الزرع
114ه /1702-1703م قحط (سمدان) اصاب الحجاز وأكثر البوادي، استمر لمدة عامين.
1115ه / 1703م، اشتد الغلا والقحط، وهلكوا هتيم وبعض بوادي الحجاز
1116 / 1704-1705م قحط وغلاء.
1121/1709م وقع وباء في بلدان سدير.
1122 / 1710م برد ريح شديدة كثر الجراد وأكل الزروع والاشجار
1123 / 1711م، برد شديد اتلف المزروعات - جراد - سيل أغرق حريملاء
1124 / 1712م وقع وباء في ثرمداء والقصب ورغبة والبير والعودة مات منه خلق كثير.
1126 ه / 1714م وقع وباء في العارض.
1127 ه / 1715م جاء برد شديد جمد منه الماء.
1128ه / 1715م غارت الآبار، وغلت الأسعار.
1134 ه / 1721م برد شديد جراد شديد.
135ه / 1722-1723م قحط شديد (ستي) غلت الأسعار، هجرة إلى البصرة و الأحساء والزبير والكويت، القحط استمر طيلة سنتين.
1136 / 1723م القحط والغلاء.
1137ه / 1724 - 1725م أمطار غزيرة، لكن الأوضاع السيئة استمرت، وكذلك غلاء الأسعار بسبب شدة البرد وكثرة الجراد في تلك السنة.
1138ه / 1725م حل وباء في العيينة أهلك غالبهم حل وباء في بلدة أوشيقر مات منه خلق كثير.
1143 /1730م برد شديد قتل الزرع.
1148ه / 1735م ظهر جراد كثير أكل الثمار والأشجار.
1161ه / 1748م برد شديد قتل الزرع.
1162 / 1749م القحط المسمى شيثة.
1172ه / 1758م غلا الزاد في سدير.
1175 ه / 1761م وقع وباء في بلدان سدير.
1179 ه / 1765م برد عظيم.
1181ه / 1767م القحط (سوقه) جلا كثير من أهل نجد إلى الأحساء.
1197ه / 1782ه مبتدأ القحط (دولاب) واستمر لمدة ثلاث سنوات.
الحاضرة:
شكل ساكنو البلدات والمدن النجدية وحواضرها الطرف الآخر للمجتمع المحلي، ولم يكن هذا المجتمع المتحضر بأقل من سابقه مجتمع (البادية في الصراع والتنافس فقد يقع الصدام أحيانًا بين الحواضر أنفسهم. ولو دققنا في أسباب الصراع بين أفراد الحاضرة، أنفسهم، فمن المستبعد أن يكون التنافس على الموارد المائية والطعام، فهذا يتنافى مع استقرار الحاضرة في بلدانهم، وتوافر الموارد الأساسية لديهم، لكن أحيانًا قد يكون اختلاف في وجهات النظر حيال أمر ما. ومن أهمها الصراع على السلطة.
اتخذ الصدام في تلك الفترة شكلًا آخر بين مكوّني المجتمع المحلي، تمثل في الصراع بين البادية والحاضرة في التنافس على الموارد المائية والطعام، في ظل قلة هذه الموارد وصعوبة الحصول عليها. وبسبب استقرار الحاضرة ووجود بعض هذه الموارد لديها، بخلاف البادية، فقد كان ذلك دافعًا للأخيرة لصد التعدي عليها وقتالها وهو ما يسبّب نوعًا من انعدام الأمن السياسي في المنطقة. وقد تلجأ الحاضرة حفاظا على الموارد الاقتصادية، وإشاعة للأمن السياسي من اتخاذ بعض الاستراتيجيات، منها عقد تحالفات مع البادية اتقاءً لشر بعض الجماعات غير المستقرة منها مثل تحالف الظفير مع بلدات جلاجل والرياض وثرمداء، وبين سبيع وبلدة العيينة، وبين بدو آل كثير وبلدة الدرعية، وبين عنزة وبلدة منفوحة، وكان يضمن شيوخ البادية لأهل البلدة السلامة خارج أسوارها، والسفر في غير مضايقة لهم مقابل الاتاوة السنوية التي تدفع لهم. ومن ابرز الصدامات بين البادية والحاضرة والتي ذكرتها المصادر ما حدث في عام 1104ه / 1692م من حصار ابن جاسر الفضلي في أشيقر، حتى أظهره بنو حسين. وفي عام 1113ه / 1701م أخذ أهل العيينة آل عساف من آل كثير على سدوس». وفي سنة 1116ه / 1704م، حجر عنزة ابن معمر في البير، وأخذوا ركابه.
وعلى ما يبدو فقد أثر شح الموارد الاقتصادية وقلة الإمكانيات المتوافرة والوجود السكاني في مناطق متقاربة في نجد إلى حدوث نوع من الصدام والتنافسية، فأسهم ذلك في أن يغلب على الوضع الأمني في نجد عدم الاستقرار واضطراب الأمن، وتصاعد التوتر بين فترة وأخرى بين أفراد المجتمع المحلي. وكانت القوى المسيطرة في شرق الجزيرة وغربها تتصادم مع تكوينات المجتمع المحلي، التي لا تكافئها بالقوة والوفرة، ولعدم وجود قوّة سياسية مهيمنة في هذا المجتمع تحميه. لكن هذا الوضع في نجد أخذ يتغيّر كليةً بعد ظهور قوة الدولة السعودية كمنافس قوي للقوتين الشرقية والغربية في الجزيرة العربية.
ثانيًا: القوى السياسية في منطقة الحجاز والأحساء ونجد: سبقت الإشارة إلى أنه لم يكن هناك في نجد قوى سياسية تضاهي وتماثل القوتين الموجودتين في شرق الجزيرة العربية وفي غربها فقد تماثلت قوّة الأشراف في الحجاز مع قوة بني خالد في الأحساء شرق الجزيرة، وكانت منطقة نجد منطقةً وسطًا بين القوتين، اللتين ظلتا طوال الثلثين الأولين من القرن الثاني عشر تحاولان مد نفوذهما إلى نجد لكن ما أن تنامت قوة الدولة السعودية وتضاعفت في النصف الثاني من القرن نفسه حتى أخذت تمدّ نفوذها على الحواضر والبوادي في منطقة نجد. وحتى تتكامل الصورة السياسية للمنطقة في تلك الفترة، فلابد أن نستعرض القوى التي شكلت تأثيرًا قويًّا في منطقة نجد وكان لها نشاط على مسرح الأحداث فيها، وهي:
(1) الأشراف:
بدأ دور مكة السياسي بالبروز على مسرح الأحداث السياسية في نجد بالتصاعد في القرن الثاني عشر الهجري، عندما أخذ زعماؤها الأشراف بشنّ حملات متكرّرة على منطقة نجد. ويبدو أن العثمانيين قد تركوا أمر إخضاع نجد لأتباعهم أشراف مكة لقربهم منها، ولمعرفتهم بالأوضاع المحلية، وطبيعة المنطقة، وسكانها، وقدرتهم على القيام بالحملات الصحراوية الشاقة والمكلفة ماديًا وبشريًا، في ظل عدم وجود قوة سياسية في نجد (الوهبي، 1410ه / 1989 م: ص189-191). تكرر الصدام بين الأشراف وقبائل نجد وحواضرها، في محاولة من الأشراف مد نفوذهم إلى نجد، ومنع تقدّم بني خالد وسيطرتهم على هذه المنطقة الوسطى بينهما، كذلك رغبة الاشراف في الحصول على إتاوات من القبائل البدوية في نجد، وأحياناً الحصول على كميات من القمح والتمور، وحرصا على سلامة الأوضاع السياسية والاقتصادية واستقرارها، وأمن طرق القوافل التجارية وقوافل الحج وسلامتها في المنطقة؛ لذا فإن تعرض القبائل للقوافل غالبًا ما يواجه بتدخل سياسي رادع لعدم تكرار هذه الاعتداءات، ومن ذلك ما حدث عام 1100ه / 1688م عندما أخذ الفضول الحاج العراقي عند التنومه وهي موضع شمال القصيم، هاجم الفضول قافلة كبيرة لأهل سدير، وفي عام 1157ه / 1744م أخذ الظفير قافلة لعنزه، كما اخذوا الدواسر قافلة لأهالي الخرج عام 1164ه /
1750م، ويشير توالي الحملات الشريفيه على نجد إلى تدهور الوضع الأمني فيها، مما دفع بالأشراف إلى التوسع على حساب جيرانهم. ومن ذلك ما حدث عام 1107ه / 1695م، فقد سار الشريف سعد بن زيد إلى نجد، حتى وصل الروضة وجلاجل والغاط. وفي عام 1108 ه / 1696م سجن الشريف عبد العزيز سلامة بن سويط رئيس الظفير، وفي العام الذي يليه سار الشريف سعد إلى نجد ونزل الروضة، وكذلك سنة 1111 ه / 1699م سجن الشريف سعد بن زيد نحو مئة من كبار شيوخ عنزة في مكة، وغزا الشريف عبد الكريم مطير وتكرّر الأمر عام 1139ه / 1726م عندما قاتل الشريف محسن عبيد الله بني حسين عند المجمعة، وأيضًا استجد القتال في عام 1140ه / 1727م، فقد خرج الشريف محسن ومعه عنزة وعدوان لقتال الظفير في الخرج، وكانت الغلبة للشريف.
ونلحظ خلال هذه الفترة توغل الأشراف في مناطق بعيدة في عمق منطقة نجد، ولكن هذا التوغل لم يكن ممهدًا وخاليًا من الصدام، فقد واجه الأشراف على الرغم من قوتهم مقاومة عنيفة أحيانًا، حدت من تقدمهم. ولابد أن لتقدمهم الى هذه المناطق النجدية دافعاً قوياً، وان لم تذكره المصادر المحلية، فيمكن أن يعزى في الغالب كما سبق الاشارة اليه - للمحافظة على المصالح الاقتصادية والتي تتعلق بقوافل الحج والتجارة.
(2) بنو خالد في الأحساء:
برزت زعامة بني خالد كقوة سياسية في شرق الجزيرة العربية خلال القرن التاسع الهجري، وكان لهم دور حيوي مهم في إدارة شؤون منطقة الأحساء طيلة الحكم العثماني الأول (957 - 1080ه، وكانت لدى حكام بني خالد محاولات جادة بالانفراد بحكم المنطقة، فاستغلوا ضعف حكم الدولة العثمانية هناك، حيث تمكن براك بن غرير «، أحد زعماء بني خالد، من إقصاء الحكم العثماني عن الأحساء وهزيمة العساكر العثمانية وإبعاد حاميتها من الكوت عام 1080ه / 1669م، ولم تعارض الدولة العثمانية استيلاء بني خالد على الحكم باعتبارهم من أبرز القوى المحلية في المنطقة، فلم يكن ذلك يمثل خطرًا على استراتيجيتها التي تهدف إلى منع الوجود الأجنبي في المنطقة. كما كانت تتطلع إلى أن تتمكن قبيلة بني خالد من مواجهة القبائل العربية هناك وكبح اعتدائها على قوافل الحج والتجارة، دون أن يتعارض ذلك مع مصالح الدولة العثمانية ويضرها.
ارتبط أهل نجد بالأحساء، فإضافة إلى جوارهما الجغرافي وقرب المسافة بين المنطقتين، إلا أن العلاقة بينهما كانت وثيقة اقتصادياً، فالأحساء هي منفذ نجد البحري للاستيراد عن طريق القوافل البرية لأن الطريق اليها أقصر و أيسر من الحجاز، كذلك كان النزوح النجدي مستمرًا إلى منطقة الأحساء في أثناء موسم الغوص وحركة التنقل الرعوي للقبائل بين المنطقتين، علاوة على اعتماد أهالي نجد حاضرة وبادية على تمور الأحساء مصدرًا رئيسًا لغذائهم، وعلى خلاف الأحساء فقد كانت منطقة نجد شحيحة الموارد؛ لذا فعندما تحلّ بها الأزمات والكوارث الطبيعية، كقلة المطر وموت الماشية تبدأ الهجرات البشرية إلى المناطق المجاورة، وغالبا ما تكون هذه الهجرات إلى الأحساء، بسبب القرب الجغرافي وتوافر الخيرات والموارد الزراعية التي تكفي لسد حاجة المنكوبين في نجد، ومن ذلك ما حدث عام 1136ه / 1723م عندما. القحط والغلا في بلاد نجد وجلا كثير من أهلها إلى الاحساء، وكذلك ما حدث عام 1181ه/ 1767م عم القحط والغلا المسمى (سوقه) حيث مات خلق كثير جوعاً ووباء وجلا كثير من اهل نجد إلى البصرة والزبير والاحساء.
حاول زعماء بني خالد مرارًا مد نفوذهم إلى مناطق نجد والتدخل في شؤون القبائل، وقد يكون الهدف من وراء طرد القبائل القوية في نجد هو الرغبة في امتلاك المراعي الخصبة فيها، واعتبارها منطقة رعي محمية لمواشيهم في الصيف، وحفاظاً على مصالحهم ساعدوا القبائل النجدية ضد القوى المناوئة لها في الغرب، وهي قوة الأشراف في الحجاز، ومن ذلك ما حدث عام 1101ه / 1689م، وتكرّر الأمر في عام 1105ه/ 1693م في أثناء قتال بني خالد لآل كثير، وفي سنة 1112ه / 1700م قاتل سعدون بن محمد بن غرير آل حميد الخالدي»، ومعه محمد بن أحمد الحارث من الأشراف، ومعه الفضول أيضا، فنازلوا الظفير في نواحي السرّ، وعاد الصدام مرة أخرى بين بني خالد والظفير في عام 1122ه / 1710م، وفي عام 1126ه (1714م) صالَ سعدون المحمد الغرير على اليمامة، وفي عام 1133ه / 1720م هاجم سعدون الغرير أل كثير على عقرباء ثم حجرهم في العمارية، حتى أصابهم الجوع، وهزلت مواشيهم، وتكرر الامر عام 1140ه / 1727م بين قوات الشريف وبني خالد والظفير.
ولم تتوقف مغازي بني خالد على منطقة نجد حتى اصطدموا بسلطة الدولة السعودية قبل نهاية القرن الثاني عشر الهجري ومن ذلك ما حدث في عام 1166ه / 1752م عندما قاتل بنو خالد الظفير عند السبله، وفي عام 1171ه 1757م مسير عريعر على الجبيلة وأهل الاحساء )، وتكرر الامر عام 1178ه / 1764م عندما ظهر عريعر بأهل الاحساء وبني خالد ومعظم أهل نجد، وكذلك في عام 1188ه / 1774م هجم عريعر بن دجين مع بني خالد وعنزه على بريده، وفي عام 1196ه / 1782م ساعد سعدون بن عريعر اهل بريده ضد الدرعية، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.
الأمن في الدولة السعودية:
في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري بدأ في منطقة نجد تحوّل سياسي، تمثل بتنامي وجود قوة سياسية فيها، وتحديدًا في الدرعية، وكان لذلك تأثيره في الوضع السياسي والأمني في المنطقة، ولأن التطور - كما ذكر ابن خلدون - هو سنة الحياة الاجتماعية، وأن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج، مستقرّ، وإنما هو اختلاف على الأيام والرزق، وانتقال من حال إلى حال، فالدرعية التي كانت كمثيلاتها البلدان النجدية تعيش وضع أمني وسياسي سيء وصراع على السلطة إلى أن استلم حكمها الأمير محمد بن سعود منذ عام 1139 ه / 1727م، تمكنت من فرض سيطرتها على المنطقة وتحولت من بلدة بسيطة إلى عاصمة لدولة مهيمنة، تصدر منها الأوامر والتنظيمات لبقية أجزائها المتفرعة، حيث ذكر ابن بشر أن أهل الدرعية في يسر وجاه، ومكانة ماليةٍ واسعةٍ، ولديهم نشاط اقتصادي، كما توافرت لديهم السيولة النقدية، وازداد عدد السكان في الدرعية؛ والكثرة لا تأتي إلا مع الرخاء والأمن والعدل. أحدث نموّ الوعي نقطة تحوّل جديدة في المجتمع النجدي، فقد بدت الحاجة ملحة إلى المؤسسة السياسية التي تنظم حياة الأفراد وسلوكياتهم، وتمثل هذه الرغبة إرهاصات قوية لقيام الدولة السعودية، وقبول أفراد المجتمع النجدي لها، وهذا ما جعل ظهور الدولة السعودية الأولى هو الحدث الأبرز في نجد خلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري، وقد ركزت عليه المصادر المحلية، فقد تغيرت الدرعية من بلدة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها (70) بيتاً كما وصفها الريكي الى مدينة عامرة، إذ أبطل الاسلوب العشائري الذي كان موجوداً، وحل محله حكم نظامي، كما أبطلت «الاخاوة: وأصبحت موارد الدولة هي الموارد الشرعية ومن أهمها الزكاة والغنائم كما نشطت حركة التعليم من الدرعية واليها، كما ركزت المصادر المحلية أيضاً على محاولات توسّع الدولة السعودية، ومد نفوذها وسيطرتها على أكبر مساحة ممكنة من المناطق النجدية، والأقرب إلى مركزها السياسي في الدرعية. وقد تطلب هذا الأمر كثيرًا من الجهد المادي والبشري، وكثيرًا من المحاولات العسكرية، أسهبت المصادر المحلية في ذكرها، وتناولتها بشيء من السردية التاريخية وخصت بعضها بشيء من الإسهاب والتفصيل. ويوضح الجدول التالي أهم الغزوات التي قام بها قادة الدرعية منذ عام 1159ه / 1785م لضم حاضرة نجد.
اسم البلدة.. العام.. اسم الوقعة
1159ه / 1785 م وقعة الشباب وقعة العبيد.
1160ه 1747 م وقعة دلقة.
1161ه / 1748 م وقعة البنية الأولى وقعة الخزيرة.
1162ه / 1749 م وقعة الجنوبية.
1163 ه / 1750 م وقعة البطحاء.
1168ه / 1754 م وقعة الدار.
1170ه / 1756 م وقعة باب القبلي.
1171 / 1757 م وقعة أم العصافير - وقعة البنية الثانية.
1174ه / 1760 م 1175ه/ 1761 م وقعة العدوة.
1176ه / 1762 م 1179ه / 1765م وقعة باب الثميري.
1169ه / 1755 وقعة الرشا.
1170ه / 1756 م منفوحة.
1173ه / 1759م 1174ه / 1760 م العيينة.
1175ه / 1761 م وقعة البطين.
1161ه 1748 م وقعة الوطية.
1163ه / 1750 م وقعة البطحا ثرمداء.
1171ه / 1757م، 1175ه / 1761 م وقعة الصحن.
1180ه / 1766 م 1164 ه 1751 م وقعة الغفيلي ضرما.
1168ه / 1754 م 1164ه / 1751م 1174ه / 1760م الزلفي.
1193ه / 1779 م 1165ه / 1751 م الخرج وما حولها.
1173 ه / 1759 م 1175ه / 1761 م 1188ه / 1774 م وقعة القراين.
الوشم أشيقر - ثرمداء 1190ه / 1775 م.
شقراء - القراين - القصب 1191ه/ 1776 م.
مرات 1194ه/ 1780 م 1195ه/ 1781 م 1170م/ 1756 م 117 ه / 1759 م 1175ه/ 1761 م.
سدير وقراها (المجمعة) 1170ه/ 1756 م.
الغاط - جلاجل - حرمه 1171ه/ 1757 م 1174ه/ 1760م 1177ه/1763م 1181ه / 1767 م 1182ه/ 1768.
القصيم 1188ه / 1774 م 1198ه / 1783م.
وتختلف محاولات التثبيت من بلدة لأخرى، تبعًا لقوة المدن وما تمتلكه من قوة بشرية ومن وفرة اقتصادية، فمثلًا استمر الصدام بين الدرعية والرياض قويًّا لمدة ثمانية وعشرين عامًا، وقعت بينهما أكثر من (35) مواجهة مختلفة، وقتل فيها ما يقارب ( 4000) شخص.
وكما حاولت الدولة السعودية ضم حاضرة نجد الى حكمها فقد لاقت القبائل ايضاً نفس الاهتمام وذلك رغبة من الدولة في تحقيق الأمن السياسي الكامل في المنطقة، ولزيادة القوة البشرية، أضف الى ذلك أهمية الزكاة التي تؤديها القبائل الرحل للدرعية والتي قدرها الريكي بأربعمائة الف ريال، وقد اختلفت القبائل في ولائها وسرعة استجابتها، وكانت اسرعها استجابة القبائل القريبة من الدرعية ومن أهمها السهول وسبيع، تلاها عنزة والظفير والدواسر وشمر وقحطان، كما كان لهذه القبائل مشاركة جادة في محاولات تثبيت الدولة، ومع ذلك فقد كانت بعض البلدات النجدية وبعض القبائل متذبذبة في ولائها للدولة السعودية، فكانت تسير وفق مصالحها الخاصة؛ مما يضطر الدولة السعودية إلى قتالها أكثر من مرة.
ومن خلال استقراء الحوادث في المصادر المحلية نلاحظ أنه القوى المحلية في المنطقة لم تخض أي صدام مع القوتين السياسيتين في شرقها وغربها في الثلث الأخير من هذا القرن، ولم تحاول الدولة السعودية الناشئة في نجد أن تحتكَ بهاتين القوتين لانشغالها بأمورها الداخلية ومحاولتها التركيز على البنية الأساسية الداخلية للدولة، وترتيب شؤون الدولة وأمورها وأجهزتها الداخلية بعد أن تمكنت الدولة السعودية المتنامية من مدّ نفوذها من عاصمتها الدرعية إلى المناطق المجاورة في نجد واستطاعت زيادة قوتها البشرية وزيادة رقعة الدولة الجغرافية كان لقادة الدولة السعودية التفكير الجاد في الإفادة من المواقع الاستراتيجية المحيطة بها، بما يحقق لها فوائد اقتصادية تعزز من قوة الدولة، لذا وجدت القيادة السياسية للدولة السعودية نفسها أمام خيارين إما البقاء في حدود نجد الضيّقة سياسيا واقتصاديًّا، أو الدخول في منافسة سياسية و اقتصادية مع القوتين السابقتين لظهورها في شرق الجزيرة العربية وغربها. وهذا ما حدا بهم إلى التطلع إلى الهيمنة على مناطق شرق نجد وغربها، وهذا يتطلب الصدام المسلّح مع قوة في الشرق، وقوة في الغرب. على الرغم من تصاعد قوة الدولة السعودية وتطلعها إلا أنها لم تستطع الهيمنة على منطقة الأحساء حتى نهاية القرن الثاني عشر، فقد وقع أول صدام مسلّح بين القوتين في عام 1176ه / 1762 م عندما غزت قوات الدولة السعودية الاحساء، وفي عام 1198ه / 1783 م م تلاها وقعة العيون بين الدولة السعودية وأهل العيون في الاحساء، وكانت نتيجتهما لصالح الدرعية، لكن هذه المحاولات لا يمكن ان تعد مواجهة مباشرة، فكانت هذه البدايات المسلحة الناجحة دافعًا ومحفّزًا قويين لتعزيز تطلعات الدولة السعودية إلى تكرار المحاولة لضمّ منطقة الأحساء والاستفادة من مواردها، وتوسّع الدولة السعودية من حدودها الجغرافية الضيقة في نجد إلى مشارف الخليج العربي، أما قوة الأشراف في الحجاز فقد تأخرت كثيرًا في التعامل مع الدولة السعودية في نجد، وقد يعزى ذلك بالدرجة الاولى الى الوضع السياسي السيء للأشراف، فتذكر المصادر أنه خلال القرن الثاني عشر الهجري تعاقب على شرافة مكه نحو ثلاثين شريفاً لم ينعم واحداً منهم بالاستقرار، أو تنامى الهم اعتقادًا أن هناك من يستطيع القضاء على الدولة السعودية، سواءً من اعداؤها في نجد، أو من خلال زعامة بني خالد، ولم يتوقع الأشراف أن تتنامى قوة السعوديين وتتطوّر، فخلال القرن الثاني عشر لم تشر المصادر المحلية إلى حدوث أي صدام بين الأشراف في الحجاز والدولة السعودية في نجد، وظل كلاهما يتحايد الآخر طوال هذه المدة، ويترقب بحذر مستجدات الأوضاع لدى القوة الأخرى، لقد ارتكزت الدولة السعودية الأولى في حكمها على مرتكزات تحقق متطلبات الدولة بالمفهوم الحديث، فالأرض التي تمتد عليها حدود الدولة السعودية إقليم متصل امتلكت فيه الدولة السعودية فيه حق السيادة على أفرادها، فكانت السلطة في يد الأمير محمد بن سعود الذي تولّى تنظيم شؤون أفراد الإقليم وإدارته، واستطاعت الدولة السعودية فرض إرادتها ونظامها على شعبها على الرغم من أنها ما زالت دولة بسيطة وموحدة، تسير على قواعد شرعية ومبادئ عرفية تصدر من أعماق التاريخ، ولا يحكم سلوكها وسلوك أفرادها دستور مكتوب في وثيقة واحدة، إلا أن تصميم الإمام محمد بن سعود وتوجهاته نحو بناء الدولة كانت سببًا قويًّا، لبنائها وكان توافر المقدّرات البشرية والمادية دافعًا قويًّا لتحقيق تطلعاته.
* أستاذ مشارك - قسم العلوم الاجتماعية جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.