نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ عريق قائم على تأسيس دولة موحدة ومبنية على مبادئ إسلامية

يجب على كل سعودية وسعودي أن يفتخر ويعتز بيوم من أيام الوطنية والكبرياء فى مسيرة وطننا الغالي وهو يوم تمكن الإمام محمد بن سعود من تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1139ه/1727م، الموافق يوم 22 فبراير من كل عام، ولذا كانت المَكرُمَة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بأن يكون يوم 22 فبراير يوماً نحتفل فيه جميعاً بهذه المناسبة الوطنية وهو اليوم الذي يرمز إلى العمق التاريخي والحضاري والثقافي للمملكة العربية السعودية.
الدولة السعودية الأولى تميزت ببنائها الحضاري الموائم لأهدافها ومبادئها
وهو اليوم الذي يحمل الكثير من المعاني والدلالات، منها الاعتزاز بالجذور الراسخة للدولة السعودية، والتي ترسخ مفهوم الارتباط الوثيق بين المواطنين السعوديين وقادتهم، الاعتزاز بما أرسته الدولة السعودية من الوحدة والاستقرار والأمن وغرس مبادئ الصمود والعزيمة والإصرار في مواجهة الأعداء والتحديات كما فعلت الدولة السعودية الأولى في صمودها ودفاعها عن كيانها وأراضيها، وهو ما يجعلنا نتمسك بمثل هذه المبادئ والتي كانت النبراس التي اقتبست منة استمرار الدولة السعودية واستعادتها لقوة جذورها وقادتها ورموزها الوطنية الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية للمملكة العربية السعودية التي أرساها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، وهو المسار الذي حافظ عليه الملوك أبناء الملك عبد العزيز في تعزيز البناء والوحدة والتطوير المستمر في كل مناحي الحياة.
ويعكس شعار يوم التأسيس -والذي يمكن أن نطلق عليه الهوية البصرية ليوم التأسيس-التناغم التراثي الحي، والعمق التاريخي والأنماط المستمرة حتى يومنا الحاضر، فالعلم السعودي والنخلة والصقر والخيل العربية والسوق هى خمسة عناصر جوهرية بالاضافة إلى عناصر أخرى فرعية تعكس جميعها هذا الفخر.
علم الدولة
فالعلم في عصر الدولة السعودية الأولى كان علماً أخضر مشغولاً من الخز والإبريسم، ويكون جزؤه القريب من الحامل أبيض، واللون الأخضر يرمز إلى النماء والعطاء والرخاء، وتتوسطه كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فقد كان كان يرمز الى الوطنية والوحدة والانتماء، وقد استمر هذا العلم حتى الدولة السعودية الثانية. دائما، والعلم السعودي الحالي ما هو سوى امتداد لعلم الدولة السعودية الأولى، بعد أن أضاف إليه الملك عبد العزيز -رحمه الله- سيف تحت كلمة (لا إله إلا الله)، مع كتابة كلمة التوحيد باللون الأبيض متوسطة العلم وفي أسفله السيف المسلول الذي يرمز للقوة موازياً لكلمة التوحيد.
أما النخلة تحتل جزءاً أساسياً من الهوية والثقافة والتراث السعودي، وارتبط تاريخ المملكة وشعبها بهذه الشجرة منذ القدم وارتبط به فى الكثير من تفاصيل حياته من مأكل ومشرب ومسكن، وقد تميزت الدرعية حاضرة للدولة السعودية الأولى ومركزها بما تضمه أراضيها ومحيطها لاسيما الرياض والقصيم والأحساء ببساتين النخيل من أنواع متميزة من التمور كالخضري والمكفري ونبتة سيف، والرشودي والقَّطار، والخلاص وغيرها.
(كريعة) فرس أصيلة
أما الخيل فالجزيرة العربية هي المهد الأول لها منذ القدم، وارتبطت حياة الناس بالخيل ولعبت دوراً محوريا في حياتهم وكان لاهتمام أئمة الدولة السعودية الأولى بالخيول العربية الأصيلة دوراً كبيراً فى تحسين سلالات الخيول وتكاثرها فى الجزيرة العربية، فمثلاً كان الإمام سعود بن عبد العزيز يمتلك ألفا وأربع مئة فرساً تضم أفضل المِهار العربية الأصيلة ومنها تلك التي كان يفضلها ويركبها دائماً في حملاته العسكرية والتي كانت تسمى "كريعة" والتي اكتسبت شهرة كبيرة في الجزيرة العربية كلها.
أما الصقر فكان من بين العلامات المميزة لمجتمع الجزيرة العربية لارتباطه بالصيد وبممارسة الرياضة وقد كانت الصقور إبان الدولة السعودية الأولى من الهدايا التي تهدى بين شيوخ القبال رمزاً للصلح في حل الخلافات بينهم.
أما السوق فقد كان رمزاً وشاهداً على التوسع الجغرافي والاستقرار السياسي الذي شهدته الدولة السعودية الأولى وقوة اقتصادها ومجدها وتعدد مصادر الدخل وثروات حاضرتها الدرعية، لاسيما إذا ما عرفنا أن الكثير من مواطني هذه الدولة كانوا يعملون في مهنة التجارة التي تمثل مورداً مالياً أساسياً في حياتهم، وقد اشتهرت الدولة السعودية الأولى بأسواقها العامرة، في نجد والحجاز وتهامة. وكانت هذه الأسواق تسمى محلياً "المَوسِم" والتي تعني موضع البيع والشراء.
أما الرجل في منتصف الشعار يحمل راية فيدل هذا الرمز على البطولات التي قام بها السعوديون، والتفافهم حول راية الوطن ودفاعهم عنها بكل ما يمتلكون.
أما عبارة "يوم التأسيس -1727 – فقد تم كتابتها بخط تم استلهامه من المخطوطات السعودية التي وثقت تاريخ الدولة الأولى، وهي ترمز إلى معاني الفخر والترابط بالوطن والتاريخ.
وبالتالي فشعار يوم التأسيس بعناصره ورموزه يرمز إلى الوحدة والانتماء والوطنية.
وفى السطور القادمة أشير إلى ومضات من مسيرة الوطن في مرحلة التأسيس الأولى في احتفالنا بيوم التأسيس يوم نجحنا فى رفع راية الوطن خفاقة من ثلاثة قرون وذلك من خلال التركيز على المعالم التاريخية والتراثية للدولة السعودية الأولى.
العمق التاريخي والحضاري للمملكة
عمق تاريخي حضاري
تتميز المملكة العربية السعودية بعمق تاريخي حضاري بارز تمثل في كثير من الشواهد الأثرية، والحوادث التاريخية، والمعالم الجغرافية المؤثرة في المنطقة والعالم، وذلك على مدى العصور المختلفة التي تمتد لآلاف من السنين. ولقد تنوع هذا العمق التاريخي الحضاري فيما توافر من معلومات عن الدلائل والمعاني التاريخية للموقع الجغرافي لشبه الجزيرة العربية، وأسواق العرب الثرية بالنشاط الحضاري، وتأسيس الممالك العربية، والنتاج الأدبي والاقتصادي للمنطقة على مدى تلك العصور القديمة، والأهم من هذا كون المملكة العربية السعودية مهبط الوحي، وقبلة المسلمين، ومثوى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم.
يعد تأسيس المملكة العربية السعودية امتداداً لتاريخ عريق في المنطقة، ونابع من أسس المجتمع وإرث الأسرة المالكة (آل سعود) القائم على تأسيس دولة موحدة ومبنية على مبادئ إسلامية واضحة تخدم الجميع وفق القرآن الكريم والسنة النبوية. وما يميز هذا التاريخ هو العمق الذي أسسته داخل المجتمع والإنجاز الذي حققته، والمبادئ التي تقوم عليها؛ وهو ما يجعلها تتجاوز التحديات.
البداية:
تولى ربيعة بن مانع إمارة الدرعية بعد وفاة والده المؤسس مانع المريدي، وواصل البناء وتوسيع مساحتها. ثم ازدادت الدرعية اتساعاً ونفوذاً في عهد موسى بن ربيعة بن مانع المريدي. وتولى بعد ذلك إبراهيم بن موسى، ثم مرخان بن إبراهيم. وتشير الوثائق التاريخية في القرن العاشر الهجري إلى ما كان لأمير الدرعية إبراهيم بن موسى بن ربيعة من جهود بارزة في تأمين طرق الحج التي تمر بالدرعية. وازدادت الدرعية قوة عندما تولى إمارتها مقرن بن مرخان بن إبراهيم الذي أصبحت الأسرة تفخر بشجاعته وفروسيته.
وفي عام 1132ه -1719م تولى إمارة الدرعية سعود بن محمد بن مقرن الذي تسمى الأسرة المالكة باسمه اليوم، وتنسب إليه نخوة (خَيال ابن مقرن) والذي عرف بالشجاعة وتمكن من مقاومة حملة أمير الأحساء على الدرعية في عام 1133ه -1720م
توفي الأمير سعود بن محمد بن مقرن في عام 1137ه -1724م، وخلف أربعة أبناء، هم: محمد (مؤسس الدولة السعودية الأولى)، وثنيان، ومشاري، وفرحان.
وأصبحت المنطقة مهيأة لإنشاء دولة مركزية تعيد للجزيرة العربية وحدتها واستقرارها. ودخلت الدرعية مرحلة جديدة عندما تولى إمارتها الأمير محمد بن سعود.
إعلان التأسيس
لتأتي بعده اللحظة الحاسمة التي أعلن فيها الامام محمد بن سعود الذي خلف والده فى الحكم بإعلانه فى يوم 22 /2 /1727م بتأسيس الدولة السعودية الأولى (1139-1233ه/1727-1818م)، فتحققت الوحدة والاستقرار وازدهرت الحياة وانتشرت الثقافة والعلوم إنطلاقاً من الدرعية التي صارت العاصمة ومركز الدولة.
وقد استكمل أئمة الدول السعودية الأولى النهج والمسيرة التي بدأها الأجداد وهم الإمام عبد العزيز بن محمد (1179-1218ه/1765-1803م)، والإمام سعود بن عبد العزيز (1218-1229ه/1803-1814م)، والإمام عبد الله بن سعود (1229-1233ه/1814-1818م)، واستمر النمو والازدهار خلال الدولة السعودية الثانية (1240-1309ه/1824-1891م)، وصولاً للدولة السعودية الثالثة وتأسيس مملكة الخير والنماء المملكة العربية السعودية على يدي الملك عبد العزيز آل سعود -طيب الله ثراه- (1319ه/ 1902م).
إن المدقق فى التاريخ الإنساني والاستيطان البشري في الجزيرة العربية سيكتشف كيف كانت الظروف الطبيعية عاملاً مساعداً في تهيئة الأجواء لبزوغ نجم دولة قوية موحدة تؤسس على مباديء راسخة نابعة من عقيدة دينية وخبرة تراكمية لديها قدرة على رسم ملامح ووضع روئ لمستقبل مشرق، حيث شهدت الفترة بين القرن السابع الهجري والقرن الحادي عشر الهجري/الثالث عشر والسادس عشر الميلادي، ونتيجة لتحسن الأحوال المناخية وأسباب أخرى؛ شهد وسط شبه الجزيرة العربية ازدياداً في حركة السكان من حيث هجرة عدد من القبائل من الغرب والجنوب الغريب، وعودة سكان الحاضرة وإنشاء وإعادة تعمير عدد من البلدات التي أصبحت مدناً، مثل: الدرعية والعينية، وحرمة، والغاط، والمجمعة، وحريملاء، والحريق وحوطة بني تميم، وروضة سدير، والحصون، وشقراء.
وتمثل هذه الظاهرة من حيث الاستقرار وإنشاء المدن في وسط شبه الجزيرة العربية، وتحديداً في نجد، تفسيرياً واضحا لبدء ظهور تأسيس الدولة السعودية في المنطقة، وهو ما هيأ للدرعية أن تقود ذلك لاحقا وتنشئ الدولة السعودية الأولى.
الدرعية (نواة الدولة السعودية):
تقع الدرعية على بعد 15 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من مركز مدينة الرياض، وهى واحة من واحات وادي حنيفة بالجزء الشرقي من هضبة نجد وتقع في منطقة انعطاف وادي حنيفة؛ حيث نشأت على الوادي واحات كثيرة تميزت بالاستقرار الحضري، نظراً لما يمتاز بوفرة مياهه وخصوبة أراضيه، منذ أقدم العصور.
ويمتاز الموقع الجغرافي لمدينة الدرعية يتضح انه موقع استراتيجي لعاصمة دولة كبرى، فمن أبرز المقومات لذلك وقوعها على واحد من أهم الاودية في نجد وهو وادي حنيفة، عدا أنها تقع على أحد أهم الطرق التجارية القديمة، ذلك الطريق الذي تعد الدرعية فى قلبه، والذي يأتي من جنوب شبه الجزيرة العربية مروراً بنجران ثم يتجه شمالاً إلى اليمامة ثم الدرعية حيث يتجه الى الشمال نحو دومة الجندل والى الشرق نحو العراق والى الغرب نحو الحجاز، ويعد هذا الطريق هو طريق الحاج القادم من بلاد فارس والعراق ووسط أسيا، الذين كانوا يواصلون سيرهم عبر الدرعية إلى مكة المكرمة. وبتأسيس الإمام محمد بن سعود للدولة السعودية الأولى أصبح هذا الطريق من أبرز الطرق التي تمر بها قوافل التجارة والحج، نتيجة لسياسة الإمام محمد بن سعود بتأمين هذا الطريق والارتباط بعلاقات مع القبائل التي يمر من خلال مناطقها، والاتفاق معها على ضبط الأمن وتقديم الخدمة اللازمة للمستفيدين منه.
وسميت الدرعية بهذا الاسم نسبة إلى ابن درع حاكم اليمامة أو نسبة إلى الدرعية التي قدم منها آل سعود في شرقي الجزيرة العربية، فقد كان جزءا من بني حنيفة غادر حجراً بعد قدوم (الأخيضريين)، واستوطن موقعاً بالقرب من القطيف، وسمي بالدرعية نسبة إلى الدروع من بني حنيفة الذين استوطنوه، ونتيجة للظروف من جفاف وغيره وتسلط (الجبريين) عليهم في منطقتهم وامتداداً لجذورهم في الحكم في وسط شبه الجزيرة العربية، الطبيعية القاسية، وتواصلهم مع أبناء عمومتهم في اليمامة؛ قرر مانع المريدي في منتصف القرن التاسع الهجري الانتقال بأسرته من شرق شبه الجزيرة العربية إلى العارض في نجد بدعوة من ابن عمه ابن درع صاحب حجر والجزعة، فسكنوا المنطقة الواقعة ما بين غصيبة والمليبيد، وبقدوم جدهم مانع المريدي يبدأ تاريخ تأسيس الدرعية من عام 850ه/ 1446م، ويعد هذا الحدث أبرز أحداث الجزيرة العربية في العصر الوسيط، فقد كان قدوم مانع وتأسيسه الدرعية اللبنة الأولى لتأسيس الدولة، وازداد سكانها من عشيرته، لتصبح هذه المدينة نقطة عبور مهمة لقوافل الحج والتجارة، ومركزا مهمًا للاستقرار، لاسيما انه في تلك الفترة لم تكن الأحوال السياسية مستقرة في شبه الجزيرة العربية حيث كانت تعاني مناطقها من الإهمال والتفكك والجهل...
منظر عام لمباني مدينة الدرعية
واستمر هذا الوضع حتى عام 1139ه/ 1727م، حينما تولّى إمارة الدرعية الإمام محمد بن سعود الذي كان يملك حساً إدارياً جيداً، ونظرة مستقبلية، فعمل على البدء بالتغيير، معلناً قيام الدولة السعودية الأولى، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ شبه الجزيرة العربية بأسرها، حيث وضع لبنة الوحدة العظيمة التي وحدت معظم أجزائها، حيث سعى أمراؤها إلى تأسيس دولة واسعة النفوذ في المنطقة متبعين في ذلك تاريخ أسلافهم من بني حنيفة.
وصارت الدرعية أشهر مدينة في وادي حنيفة خلال فترات تاريخية طويلة لا سيما خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين/ الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين.
وعلى هذا يمكن القول أن إمارة الدرعية تأسست على يد الأمير مانع بن ربيعة المريدي، وتكونت فى الأساس من غصيبة والمليبيد، واتسعت فى أحيائها على ضفتي وادي حنيفة، واعتنت بطريق الحج لمرور الحجاج من خلالها قادمين من الشرق والشمال الشرقي، وتهيأت لتكون مركزاً للعلم والمعرفة والتنوع الثقافي، بعد أن توافرت لها أساب الحماية وممارسة التجارة وحماية الطرق التجارية وتأمين الاستقرار فيها، وتضمنت الدرعية منطقة زراعية نظراً لوقوعها على وادي حنيفة الخصب، حيث تقوم بتصدير الفائض عن حاجتها من الزراعة إلى المدن والمناطق المجاورة.
وتبلغ مساحة مدينة الدرعية بشكل عام حوالي 20 كيلومتراً مربعاً. ويضم قسمها التاريخي القديم عدد من الأحياء من أهمها: حي الطريف الذي نجحت المملكة فى إدرجه على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (unesco) لأهميته التاريخية والتراثية، وبحسب موقع اليونسكو: "شكل هذا المكان الذي يقع في قلب شبه الجزيرة العربية، شمال غرب الرياض، أول عاصمة لأسرة آل سعود.
ويحمل حي الطُّريف الذي أُسس في القرن الخامس عشر آثار الأسلوب المعماري النجدي الذي يتفرد به وسط شبه الجزيرة العربية. وتنامى في القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، الدور السياسي والديني لحي الطريف وأضحى مركزًا لسلطة آل سعود وانتشار فيها الاسلام. وتضم الدرعية آثار الكثير من القصور، فضلاً عن مدينة بُنيت على ضفاف واحة الدرعية".
فقد كانت تدار في مبانيه شؤون الدولة السعودية السياسية والاقتصادية وأصبح مقراً لأمراء وأسره أل سعود، لذا كان يحظى بقسط من التأمين حيث يحيط به سور كبير وأبراج ضخمة مثل أبراج المغيصيبي، وأبراج القميرية، وبرج فيصل، وبرج شديد اللوح.
كما أنه لايزال يحتوى على العديد من المباني الأثرية التي ترجع لعهد مؤسس الدولة السعودية الأولى محمد بن سعود كقصر سلوى، وقصر سعد بن سعود، وقصر ناصر بن سعود، و قصر الضيافة، وجامع الأمام محمد بن سعود.
قصر سلوى
قام بوضع قواعد بنائه لاول مرة الإمام محمد بن سعود وكان ذلك في القرن الثاني عشر، وسمي باسم قصر السلوى لموقعه في منطقة سلوى، وكان يعد سكنان للأمير حيث كان يدير الدولة ثم بعد ذلك أصبح قصر سلوى قصر للحكم متعاقبا عليه أئمة كثر وتم تعديله في كل عهد من الحكم، ويظهر لمشاهد قصر سلوى قوة وعراقة الدولة القديمة.
وإلى جانب حي الطريف هناك أيضاً حي البجيري، يقع على الضفة الشرقية من وادي حنيفة، ويمتاز بموقعه الاستراتيجي، مقابلاً لحي الطريف. وإلى جانب أهمية هذا الحي التراثية والتاريخية فإنه يتمتع بأهمية علمية وثقافية حيث يعد الجامعة الأولى في نجد التي خرجت الأجيال من علماء الدعوة السلفية، فقد كان يضم سكناً للشيخ محمد بن عبد الوهاب وأسرته إضافة إلى طلبة العلم وبه مسجد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو أهم معلم في الحي، ويضم البجيري إلى جانب هذا الجامع عدداً من المساجد والكتاتيب التي أسهمت في الثراء العلمي وانتشار العلم في الدرعية وفي نجد والجزيرة العربية بشكل عام.
كما يوجد بالدرعية حي غصيبة: والذى يعتبر أكبر أحياء الدرعية، ويتمتع هذا الحي بموقع مميز لعب دوراً كبيراً في حماية قوافل الحج والتجارة قديماً. واحتضن حي سمحان: حوالي ستة وثلاثين من المباني الطينية التراثية، والتي لا تزال تحتفظ بالكثير من معالمها ووحداتها لاسيما بعد ترميمها وصيانتها، ويعد من نقاط الجذب السياحية في المنطقة.
السور المحيط بحي غصيبة
وقد شهدت الدرعية ظهور الدعوة الإصلاحية، بعد أن احتضن حاكمها الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى ( 1157-1232ه/ 1744-1817م) دعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حيث بدأت صفحة جديدة في تاريخ الدرعية، وانطلقت منها رسالة الإصلاح، وارتفع شأن الدرعية السياسي والعسكري، ونشطت في ربوعها الحركة العلمية، وغدت منارة للعلم ومقصدا للعلماء، وتكاثر التجار على أسواقها، ونشطت فيها الحركة التجارية والاقتصادية.
أحياء الدرعية التاريخية
اهتمت الدولة السعودية بالدرعية وأسهمت مساهمة كبيرة في محاربة الجهل والأمية وشجعت على التعليم بشكل كبير، وهذا بدوره أدى إلى حنق الدولة العثمانية التي لم تكن لترضى عن هذه الإنجازات، لذلك سخرت طاقاتها لإسقاط الدولة السعودية، وبعد حروب متواصلة استمرت نحو 7 سنوات، سقطت الدرعية عام 1232ه/1817م، بعد حملة دمار وتخريب واسعة شنّها إبراهيم باشا ظلماً وعدواناً على الدرعية ومعظم قرى نجد، لتفكيك الوحدة المتأصلة في نفوس أهل الدرعية والمناطق المجاورة لها.
وتمثل الدرعية رمزا وطنياً بارزاً في تاريخ المملكة العربية السعودية؛ فقد ارتبط ذكرها بالدولة السعودية الأولى، وشكلت منعطفا تاريخياً في الجزيرة العربية، بعد أن ناصر الإمام محمد بن سعود الدعوة الإصلاحية التي نادى بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب عام 1157ه/1744م؛ فأصبحت الدرعية قاعدة الدولة، ومقر الحكم والعلم، واستمرت كذلك إلى أن اختار الإمام تركي بن عبدالله الرياض مقراً جديداً للحكم وذلك عام 1240ه-1824م.
وقد تعرضت الدرعية بصفتها المدينة الأقوى في محيطها، وعاصمة الدولة السعودية الأولى تعرضت لعدد من الحملات، ولكن بقيت صامدة أمام تلك الحملات، فقبل تولي الإمام محمد بن سعود الحكم، وتحديداً في عهد والده الأمير سعود بن محمد بن مقرن، تعرضت الدرعية لهجوم قادم من الأحساء، وتولى محمد بن سعود مهمة الدفاع عن الدرعية، وكبّد المهاجمين خسائر فادحة.
وخلال عهد الإمام محمد بن سعود تعرضت الدرعية لعدة حملات شنتها القوى المحلية المناوئة للدولة السعودية، والتي لم تتقبل فكرة، تكون تحت راية الدولة السعودية، أو بعض القوى الإقليمية التي كانت تخشى توسع الدولة السعودية وامتدادها، وكان مصير هذه الحملات الفشل، فقد صمدت الدرعية، بسبب مناعتها، وبسبب قوة ومتانة المبادئ التي قامت عليها.
والمواجهة الأعنف التي شهدتها الدرعية كانت في نهاية فترة الدولة السعودية الأولى عام 1233ه/1818م نتيجة الحملات العثمانية المعتدية، وقد صمدت الدرعية 6 أشهر، سطّرت خلالها ملحمة الصمود، وسجل أبناؤها وعلى رأسهم الإمام عبدالله بن سعود، ومن معه من أفراد أسرته وشعبه قصصاً من البطولة، والشجاعة أمام الغزو الذي استهدفهم بكل وحشية وعنف، وإمدادات لا تتوقف، وفي نهاية المطاف اختار الإمام عبد الله بن سعود التضحية بنفسه مقابل منح الأمان لأهالي الدرعية، ولكن الغزاة لم يرعوا العهد ودمروا الدرعية، وفتكوا بسكانها. ورغم الدمار الذي لحق بالدرعية إلا أنها اليوم لا تزال صامدة شامخة، تشهد آثارها بما كانت عليه من مكانة وقوة.
الانطلاقة وإشارة بدء التأسيس
تولى الإمام محمد بن سعود الإمارة في الدرعية في عام 1139ه/1727م محققا المزيد من النفوذ والقوة والاتساع لها. فواصل البناء الذي بدأه أسلافه منذ مانع المريدي مؤسس الدرعية، ووضع في خطته أن تكون الدرعية منطلقا لبناء دولة أكبر وأوسع تحقق الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة العربية.
حيث أصبحت المنطقة مهيأة لإنشاء دولة مركزية تعيد للجزيرة العربية وحدتها واستقرارها، ودخلت الدرعية مرحلة جديدة عندما تولى إمارتها الأمير محمد بن سعود.
واستطاع أن يقود إمارة الدرعية إلى وضع جديد لتتحول فيه إلى دولة واسعة النفوذ تسيطر على معظم شبه الجزيرة العربية بسياساته ومواقفه التي حققت ذلك في عام 1157ه/1744م عندما تأسست الدولة السعودية الأولى وعاصمتها الدرعية، وقد حققت هذه الخطوة الكثير من النتائج كان من بينها:
1- تأمين الاستقرار في إمارة الدرعية وإزالة أسباب الخلاف والنزاع مع البلدات المحيطة بها، فكان لسياسة الإمام محمد بن سعود تجاه العيينة والرياض وغيرهما الأثر الكبير في تمكين الدرعية لتقوم بدور سياسي كبير في المنطقة، وتكون مستقلة عن أي نفوذ خارجي.
2- تأمين طرق التجارة والحج التي تمر بالدرعية وبالقرب منها بالاتفاق مع كثير من القبائل في المنطقة على ألا تتعرض لتلك القوافل، وأن تيسر مرورها، وهذا زاد من حركة التجارة وقوافل الحج المارة بالدرعية؛ وهو ما أضاف إليها مكانة اقتصادية خاصة.
3- وضع نظام اقتصادي يساند إدارة الإمارة بفرض بعض العوائد لبيت المال للصرف على شؤون الدولة واستقرار المجتمع.
وصف المؤرخون وضع وسط شبه الجزيرة العربية من الناحية السياسية والدينية قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى. فالجانب السياسي تمثل في تعدد الإمارات الصغيرة والتناحر بينها وفقدان الاستقرار، فقد وصف المؤرخون هذه البلدان في نجد بأنها دويلات صغيرة جداً وكل بلدة أو عشيرة كانت بمنزلة دولة.
أدت هذه الأوضاع إلى النزاع وفقدان الاستقرار وضعف البناء الاجتماعي والاقتصادي والحضاري، واتسمت الناحية الدينية بانتشار البدع والخرافات، مثل التوسل بغير الله وإشراك غيره في العبادة وضعف التوحيد وغير ذلك من الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان.
لذا كانت المنطقة بحاجة ماسة إلى دولة مركزية موحدة لتأمين الاستقرار ونشر العقيدة الصافية وتحقيق التطور للمجتمع في الجوانب الاقتصادية والعلمية والحضارية لجميع رعايا الدولة.
هنا أدرك الإمام محمد بن سعود برؤيته وخبرته الكبيرة وحُسن تصرفه الحاجة الماسة إلى تغير هذا الوضع السياسي والاقتصادي والديني، والعمل لتأسيس الدولة التي يمكن أن تحقق ذلك.
وأصبحت إمارة الدرعية مهيأة لقيام الدولة المركزية نتيجة لسياسة الإمام محمد بن سعود في الجوانب الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وساعد على ذلك الاستقرار ونشأة المدن التي بدأت في منطقة وسط شبه الجزيرة العربية التي أدرك أهاليها ضرورة وجود الدولة المركزية التي تؤمن الاستقرار.
وتعد تأسيس وعمارة وتأمين إمارة الدرعية كانت أساساً وخطوة ضرورية وحتمية لنجاح تأسيس الدولة السعودية الأولى، خصوصاً جهود الإمام محمد بن سعود التي بدأت عام 1139ه/1727م، عندما تولى إمارة الدرعية وأمضى نحو عشرين عاماً في تقوية الإمارة وتهيئتها لتنتقل إلى دولة مركزية.
ومن عوامل نجاح تأسيس الدولة السعودية الأولى في الدرعية، وقوة حاكمها الإمام محمد بن سعود الذي بنى أساس الدولة على الإسلام وتحقيق الاستقرار للجميع؛ قرر الشيخ محمد بن عبدالوهاب الذي بدأ دعوة إصلاحية في العيينة لإزالة البدع والممارسات غير الشرعية، الانتقال إلى الدرعية، لقناعته بحاجة الدعوة إلى دولة قوية تساندها بعد أن لم يجد من حاكم العيينة عثمان بن معمر المساندة بسبب وقوعه تحت نفوذ حاكم الأحساء الذي طلب منه ألا يؤيد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأسباب سياسية.
فقد التقى الإمام محمد بن سعود بالشيخ محمد بن عبدالوهاب في بدء تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1157ه/1744م وقدم له التأييد الكامل للدعوة التي توائم أهدافها الإسلامية الصحيحة أسس الدولة السعودية الأولى.
البناء المتين
تميزت الدولة السعودية الأولى ببنائها الحضاري الموائم لأهدافها ومبادئها التي تقوم على نشر الاستقرار، وتوحيد البلاد، وتطبيق الشريعة الإسلامية. الجوانب الحضارية:، وذلك من خلال اتباع منهج وأسلوب راسخ فى إدارة شؤون الدولة يستند على عدد من الثوابت من أهمها الهيكل الإداري للدولة ومن يتولى شؤونها والذي يقوم على هرم رأسه هو الإمام (الحاكم):
الإمام (الحاكم):
يتولى إدارة البلاد الحاكم الذي هو (الأمير) الذي يجري اختياره أو مبايعته، وأصبح يطلق عليه (الإمام) بعد تأسيس الدولة السعودية الأولى. ومن أهم واجبات الأمير أو الإمام الإشراف على شؤون الدولة عامة، من تطوير، وحماية، ومتابعة، وقيادة الجيوش أو اختيار من يراه لقيادتها. ومن أساليب الإدارة تخصيص الإمام مجلساً يومياً مفتوحاً للعامة، يستمع فيه إلى طلباتهم ويتعرف أحوالهم، ومجلساً يومياً للأعيان والعلماء والمسؤولين يجري فيه تدارس الأمور وزيادة المعرفة.
ويتضمن النظام الإداري تعيين الأمراء على النواحي، وتعيين القضاة. كما كان هناك (الديوان) المرتبط بالحاكم الذي يشرف على بيت المال، ويسجل أسماء من يوجه بمساعدتهم وصرف رواتبهم، علاوة على تدوين الرسائل والمكاتبات والأوامر التي يصدرها الحاكم.
ولعل المكان الذي كان يُعرف باسم (قوع الشريعة)، والذي خصصه إمام الدولة السعودية بجوار القصر وهو فناء واسع يجري فيه استقبال المحتاجين لتزويدهم بالمعونات والمساعدات من عينية أو نقدية ما يدل على عمق ومتانة العلاقة بين الحاكم والمحكومين.
ب- ولاية العهد:
فقد انتهجت الدولة السعودية الأولى في نظام الحكم اختيار ولي العهد، ومبايعته، فقد حدث ذلك في عهد الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود في عام 1202ه/حوالي 1787م عندما اختار ابنه الإمام سعود بن عبد العزيز وليا للعهد، وبويع، وأصبحت البيعة جزءاً أساسيا من نظام الدولة واستمر ذلك إلى اليوم.
ج- الجيش:
يقوم على أساس دعوة الإمام للنواحي والبلدان لتجهيز الجيش استعداداً لحملة معينة، أو عمليات الدفاع ضد الأعداء، ويتوافدون بعتادهم وعدتهم في المكان المحدد، ويتحركون حيث وجهتهم. ويكون لكل حملة قائدها ونظامها من حيث المؤن والتوزيع.
د- بيت المال:
يتولى الأمور المالية للدولة بصفة عامة من حيث مواردها والمصارف التي يوجه بشأنها الحاكم. ومن أبرز موارده الزكاة من الحبوب والثمار والذهب والفضة والأنعام، وغنائم الحملات، وغريها، وتدفع مساعدات للمحتاجين من بيت المال.
ه- الحياة العلمية:
أصبحت الدرعية مركزاً للعلم والمعرفة فازداد العلماء من داخل الدرعية وخارجها، وانتشرت الكتاتيب وحلقات العلم، وتوسعت صناعة الوراقة لتدوين المخطوطات وفنون الكتابة. وكانت هناك أوقاف وأسبلة تصرف على طلبة العلم وخصوصاً القادمين من أنحاء البلاد، مثل: "سبالة موضي"، التي أسسها الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود هذا الوقف باسم والدته في الطريف بالدرعية لينفق على المحتاجين وعلى طلاب العلم، حيث تضمن هذا الوقف مقراً للدراسة والصلاة والسكن، ولا تزال آثاره باقية في الطريف، وتقع شرق قصر سلوى، على الضفة الجنوبية الشرقية لحى الطريف، جنوب بيت المال، وتتكون من مبنى من طابقين، يقوم على السكن المجاني، ينزل فيه التجار والزوار القادمون إلى مدينة الدرعية والمحتاجون وطلاب العلم. حيث تضم السبالة غرفاً للتدريس وللنوم وللإطعام وللتخزين واسطبلات لايواء دواب قوافل التجار بالاضافة إلى مسجد.
ومما يدل على علو مكانة العلم في الدرعية ضخامة الكتب التي نقلت عند سقوط الدرعية إلى المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة، وبعض مكتبات مصر وإسطنبول، علاوة على العدد الكبير الذي جرى حرقه وتدمريه بأيدي القوات العثمانية المعتدية.
كل هذا وغيره كان معطيات لما اتسمت به الدولة السعودية التي قامت على أساس قوي يستند إلى هدف سام لا إلى مصالح عصبية أو شخصية، فأسسها تقوم على الدين الصحيح دون زيادة أو نقصان، وعلى تحقق العدالة للجميع وفق الشرع الإسلامي الوارد في القرآن والسنة النبوية، وهو ما أهلها لتحقيق أول وحدة للجزيرة العربية منذ الوحدة التي حققها النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما ظهر الإسلام، ثم الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم.
وقبل اختتام مقالتنا التي وقفنا فيها على بعض محطات يوم التأسيس يجب ألا نغفل الوقوف على شخصية صاحب يوم التأسيس وهو الإمام محمد بن سعود فهو محمد (الأول) بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي من حنيفة من بكر بن وائل، إمام ومؤسس الدولة السعودية الأولى، والحاكم الثاني من أسرة آل سعود من بعد والده سعود الأول، وُلد في الدرعية عام 1109ه/1679م، نشأ في بيئة حكم وقيادة؛ وتربى على يد والديه، وتعلم لدى العلماء آنذاك، وتأثر بإرث أسرته الحاكمة منذ قدوم جده الأعلى مانع المريدي إلى المنطقة في عام 850ه وإنشائه الدرعية، فقد شارك فى الدفاع عن الدرعية عندما غزاها سعدون بن محمد زعيم بني خالد بالإحساء، حيث صمدت الدرعية ودحر المعتدين.
أسهم في نشر الاستقرار في المنطقة، اتسمت شخصية بالقوة والقيادة، وكان متديناً يراعي الله عز وجل في أعماله. كما اتسم بالحكمة، وحسن التخطيط، والكرم، ودعم المعرفة والتعليم، وعرف عنه حسن السيرة، والشجاعة، وتدبير الأمور لتحقيق للمصلحة العامة.
تغيرت أحوال الدرعية في عهده عندما أصبح أميراً عليها. فى ظروف استثنائية حيث كانت تعاني من ضعف وانقسام نتيجة النزاع الداخلى على الحكم بين عمّه الأمير مقرن بن محمد والأمير زيد بن مرخان، وكذلك حملة الدرعية على العيينة ومقتل الأمير زيد بن مرخان، إضافة إلى انتشار مرض الطاعون فى الجزيرة العربية وتسببه فى هلاك الكثير من الناس وغير ذلك من الظروف الاستثنائية والتي تمكن الإمام محمد بن سعود التغلب عليها وتوحيد الدرعية والنهوض بها ونشر الاستقرار فى ربوع المنطقة.
40 عاما من الإنجاز
امتد حكمه في الدرعية قرابة أربعين سنة، شهدت أعمالاً وإنجازات امتدت إلى تأسيس الدولة السعودية الأولى. تمكن خلالها الاستقلال السياسي وعدم الولاء لأى قوة، في حين أن بعض بلدان نجد كانت تدين بالولاء لبعض الزعامات الإقليمية. وكذلك تأمين طرق التجارة التي تمر بالدرعية؛ فأدى ذلك إلى ازدهار الحركة التجارية وزيادة النشاط في المنطقة، كما وثق العلاقة بالقبائل والبلدات المجاورة؛ للقضاء على الخلافات وعلى فقدان الاستقرار. ودعم كذلك النظام الاجتماعي والاقتصادي في إمارة الدرعية؛ لتكون قادرة على استيعاب مسؤوليتها المستقبلية التي كان يراها لها الإمام محمد بن سعود.
كان من أهم إنجازاته تأسيس الدولة السعودية الأولى بعد توحيد شطرى الدرعية وجعلها تحت حكم واحد لتكون عاصمة الدولة التى كانت بمثابة البذرة المباركة لهذه الدولة (المملكة العربية السعودية) التي ما زالت إلى اليوم قائمة بواجبها الديني والحضاري، بالحفاظ على وحدة أراضيها وأمن مواطنيها وسلامتهم، وتشرفها بخدمة الحرمين الشريفين ومن يفد إليهما من الحجاج والزوار، فقد كان الإمام محمد بن سعود يقود بنفسه المعارك لحماية الدولة الناشئة من جهة، وتأييد الدعوة الخالصة للتوحيد من جهة أخرى. وتكونت النواة الأساس للدولة السعودية الأولى في عهده ليكمل بناؤها في عهد ابنه الإمام عبد العزيز وحفيديه الإمام سعود بن عبد العزيز والإمام عبد الله بن سعود.
ومن إنجازاته أيضاً أنه ألغى الأسلوب العشائري في إدارة الإمارة، وأقام بدلًا منة أسلوباً نظامياً مدنياً دستوره الإسلام، وألغى تحصيل الإتاوة التي تؤخذ من القبائل والمارين بالطريق تحت نفوذ الإمارة، وأصبحت موارد الدولة هي الموارد الشرعية من الزكاة وغيرها.
كان لديه رؤية عمرانية ثاقبة فأنشأ حي جديد في سمحان وهو حى الطرفية، وانتقل إليه بعد أن كان حي غصيبة هو مركز الحكم مدة طويلة، ولحماية عاصمته أنشأ سور يحيط بها للتصدي للهجمات الخارجية لاسيما من شرق الجزيرة العربية.
جانب من سور طريف: سور طريف الكبير المقام عليه عدد كبير من أبراج ضخمة تستخدم للمراقبة، يحيط بحي طريف الذي يضم داخله مجموعة من القصور القديمة التى بنيت في عصر الدولة السعودية الاولى.
ومن إنجازاته أنه عين القضاة للفصل في الخصومات بين الناس بالحق، ولم تُعد القوة حَكماً في الخلافات التي تقوم بين الناس، وبذلك عرف أهالي المنطقة نعمة الأمن والاستقرار والعدل.
كما ينسب له ازدهار حركة التعليم في الدرعية وسائر البلدان التي أيدت الدعوة وانضمت للدولة، فقد توافد الطلاب لتحصيل العلم في الدرعية؛ وهو ما زاد من عدد سكانها فنشطت بذلك جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية فيها.
توفي الإمام محمد بن سعود رحمه الله في عام 1179ه/1765م بعد أن أمضى ما يقارب الأربعين عاما في تدعيم إمارة الدرعية، ثم تأسيس الدولة السعودية الأولى. وقد خلف الإمام محمد بن سعود ابنين، هما: عبد العزيز، وعبد الله، وله ابنان آخران، هما: فيصل وسعود، استشهدا في حياته في مسيرة توحيد الدولة. وتولى بعد وفاته ابنه الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود، ثم الإمام سعود بن عبد العزيز حتى وفاته في عام 1229ه/1717م، ثم الإمام عبد الله بن سعود حتى انتهاء الدولة السعودية الأولى في عهده على أيدي المعتدين العثمانيين. في الثامن من ذي القعدة سنة 1233ه/9سبتمبر 1818م.
جانب من عمران مدينة الدرعية القديمة
وادي حنيفة
فارس من فرسان الدولة السعودية الأولى من رسم الفنان الفرنسي بريس دافين
السور المحيط بحي غصيبة
جانب من سور طريف الكبير المقام عليه عدد كبير من أبراج ضخمة تستخدم للمراقبة يحيط بحي طريف الذي يضم داخله مجموعة من القصور القديمة التي بنيت في عصر الدولة السعودية الأولى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.