انتشارُ الإسلام وذياعُ صيته وعلوُ كلمته -في العالمِ عامة وفي جنوبِ شرق آسيا خاصة وغيرها من البُقَع المُجاوِرَة- ما هوَ إلا بالقوةِ الناعمةِ من المسلمين الذينَ ذهبوا إلى تلك البِقَاع شاسعة المساحة، عظيمة السكان؛ فلم تكن بجيوشٍ فاتحة، ولم يحملوا سلاحًا، ذهبوا تجّارًا يحملون أخلاقَ دينهم؛ فأحسنوا المعاملة وحققوا القاعدة الأصيلة التي تؤكّد أنّ الإسلامَ يغزو القلوب والنفوس، وضعوا بصمتهم وأثرهم؛ لِمَا يتمتعونَ به أولئك التجّار من حُسنِ الأخلاق والصدقِ والأمانة والعدلِ والرأفةِ والرحمةِ والتعاطف؛ مع ما يحملونهِ من العفّةِ والأمانة والصدق بالقولِ والعمل. هذه الأفعال والأقوال قوى ناعمة ويُقصَدُ بها كما حددها جوزيف ناي من جامعة هارفارد «القدرة على الجذب والضم دونَ الإكراه أو استخدام القوّة كوسيلة للإقناع»، ويُقال إنّ القوى الناعمة هي قوّة النموذج وجاذبية الثقافة وسموِّ القيم والمبادئ والمصداقية في الالتزام. ويُقالُ إنّ القوة الناعمة هي «الوسائل والآليات والطرق غير المبرمجة أو غير المؤدلجة التي تُوقِع الأثر؛ فتؤثّر على المُتعامَل معه دونَ أن يشعر»، وهذا هوَ فعلها السحريّ، وهذا ما هوَ فاعله النادي الطلابيّ السعوديّ في مدينة ليدز بالمملكة المتّحدة؛ حيثُ يعمل على الانتفاع بِمَا يحمله منسوبو النادي السعوديّ من سماتٍ تجعلهم يؤثرون بالمجتمع الذي يعيشون معه، وينقلونَ سماحة دينهم وحضارةِ بلادهم، وما يمتلكه من تراثٍ حضاريّ ورقيٍ في العلمِ والتمدّن، يُعرّفونَ بتاريخه وجغرافيته واقتصاده، وأسلوبِ عيش مجتمعه وتقبلهم للآخر، وحسن ضيافتهم ووفادتهم؛ وذلك بوسائل عدّة؛ كاللقاءات والندوات والمحاضرات. افتتحَ النادي باكورة أعماله للعامِ 2024م يوم الأحد 28 يناير؛ وذلك بمحاضرةٍ ألقاها الأستاذ الدكتور محمد حسن آل سفران المُبتعث ضمن تفرغه العلميّ، وكان عنوانها (تعرّف على قدراتك واستثمرها في دراستك). افتتحت اللقاء الأستاذة الدكتورة أمل فطاني الملحق الثقافيّ السعوديّ في المملكة المتّحدة؛ حيثُ ألقت كلمةً، أشارت فيها إلى أهمية الأندية السعوديّة وما تقومُ به من مهام، ومن أهمّها تنظيم الأنشطة الاجتماعية والثقافية والعلمية والتربوية والرياضية، والتعريف بشتّى الجوانب الثقافية والعلمية والحضارية والتاريخية للمملكة العربية السعودية. وكانَ لكلمتها الأثر في نفوسِ الحاضرين؛ إذ حضرَ المحاضرة عددٌ كبير من طلبة الماجستير والدكتوراة والمهتمينَ في هذا المجال، كما حضرها بعضُ الطلبة من دول الخليجِ العربيّ، وكانَ اللافتُ أنّها ألقيت باللغةِ العربية، وهذه لفتةٌ وذكاءٌ من القائمين على النادي السعوديّ برئاسةِ الأستاذ صبيّح الصيعريّ المُبتعث لنيلِ درجةِ الدكتوراة، ويؤازرهُ الشيخ محمد الجنيدل المُبتعث من المعهد العالي للقضاء لنيلِ درجةِ الدكتوراة، وبعض الطلبة المتطوعين للنادي. ويتساءل الكثير من الطلبةِ الأجانب عن المحاضرة ولغتها، فتُرجِمَ لهم من قبل الطلبة والطالبات السعوديين والسعوديات، فكانَ حراكٌ ثقافيّ ومعرفيّ طوالَ ذلكم اليوم وما بعده. ولتفعيلِ القوة الناعمة؛ أقامَ النادي ديوانية باسم «ديوانية ليدز»، جمعت عدداً كبيراً من الطلبة المبتعثين والمرافقين، وكان هدفها حراكٌ اجتماعيٌ ثقافيّ؛ إذ حضرها بعض الطلبة من دول الخليج وغيرها. ومما يُشارُ إليه أنّ الأندية السعودية مُنتشرة في أنحاء المعمورة؛ حيثُ يوجد بالمملكة المتّحددة 28 ناديًا سعوديًا، وبالولايات المتّحدة الأميركية 38 ناديًا، وعشرة أنديةٍ في أستراليا، وأندية أخرى في فرنسا وإسبانيا، وألمانيا، والصين، وغيرها. ومن المؤكد أنّ تلكم الأندية الطلابية قوى ناعمة تنشر الخير والمحبة والود، وهي جسورٌ ثقافية وتعريفية بحضارةِ بلادنا، وما وصلت إليه في ظلِّ قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز -يحفظهما الله-؛ فبلادنا -ولله الحمد- تمتلكُ إرثاً حضاريًّا ضارباً بالقدم، وازدهاراً حضاريّاً ماثلاً للأعيان؛ فلدينا ما يستحقُ أن يُبَث ويُنشر؛ ليكونَ أنموذجًا يُحتذى؛ فرؤيتنا الوطنية 2030 مضرب المثل والنموذج؛ لِمَا تحمله من مبادئ وقِيَم ومُثُل وبناء حضاريّ غير مسبوق.