قبل عدة أيام حظي منشور لشاب يتحدث عن أمنياته بالتسوق مع زوجته المستقبلية في إحدى المحلات الشهيرة بتفاعل اجتماعي ضخم بعد أن تحول ذلك المنشور إلى فرصة تسويقية ذهبية بسبب وعد الشركة بتحقيق حلمه. تداعت الكثير من الشركات على ذلك الشاب لركوب الموجة المتصاعدة واقتناص حصتهم من الكعكة. عاش الناس مع تلك القصة لحظات جميلة وشكلت في مجملها حالة تسويقية رائعة تستحق الدراسة، حيث حققت الكثير من المكاسب لكافة الأطراف بأقل قدر من التكلفة. التسويق عالم ضخم وحافل بالإبداع، ورغم التأريخ لبداياته بشكله الحديث بانطلاق الثورة الصناعية إلا أنه كممارسة بشرية قديم بقدم عمليات البيع والشراء، حيث كان في أشكاله البدائية التي تعتمد بشكل رئيس على تناقل السمعة الطيبة بين المستهلكين حول سلعة ما، سواء كان من خلال حديث عابر أو حتى بشكل أكثر إبداعا كأن يتخلل أبياتا شعرية، كما حدث مع قصة أبيات "قل للمليحة في الخمار الأسود، ماذا فعلت بزاهد متعبد" والتي إن صَحّت، ساهمت في ارتفاع مبيعات أردية الرأس السوداء للنساء بعد أن سمعن تلك الأبيات. ونظرا للأهمية البالغة للتسويق فقد تحول عبر الزمن إلى علم له نظرياته وأبحاثه التي ارتبطت بشكل وثيق بعلوم أخرى مثل علم النفس وظهرت تخصصات فرعية تعنى بدراساته مثل علم النفس التسويقي الذي يدرس سلوك المستهلك وكيفية استغلال رغبات الإنسان لتطوير ورفع المبيعات. ورغم مرور التسويق بمراحل مفصلية في تاريخه، إلا أن ثورة التواصل الاجتماعي كانت النقلة الأهم في هندسة الرسائل التسويقية وزيادة توجيهها، والجميع يلاحظ أن ما نبحث عنه أو يدور في محادثاتنا نجده ينعكس على المحتوى الذي تقدمه لنا منصات التواصل الاجتماعي، فمن يبحث عن الأثاث أو يتحدث عن ألعاب الأطفال مثلا، يفاجأ أن منصات التواصل تعرض له منتجات تطابق احتياجاته في تلك الفترة. اليوم نحن على أعتاب ثورة جديدة تتمثل في الذكاء الاصطناعي، وستشكل هذه الثورة انطلاقة جديدة لآفاق أرحب في عالم التسويق حيث سيقدم الذكاء الاصطناعي خيارات أقل تكلفة وأكثر تأثيرا؛ عبر تحليل كمية هائلة من البيانات الديموغرافية واستنتاج رغبات المستهلكين والتنبؤ باحتياجاتهم المستقبلية بل وحتى حالاتهم العاطفية بشكل سريع ودقيق، ناهيك عن تطوير تقنيات الواقع المعزز وكسر حواجز المكان والزمان، ورفع قدرات روبوتات الدردشة التي تساهم في خدمة العملاء بشكل لحظي، وغيرها من القدرات التي ستنقل التسويق وعمليات البيع والشراء إلى عالم كنا نراه فقط في أفلام الخيال العلمي.