في عام 1895 أضيف طيف جميل لحياة البشر تمثل في ولادة الصناعة السينمائية، ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه الصناعة جزءا لا يتجزأ من الموروث الثقافي والفني الذي يتكئ على إبداعات الآلاف من الكتاب والمخرجين والممثلين وغيرهم. هذه الصناعة مرت بقفزات ومراحل مفصلية خلال تاريخها، فبعد أن كانت صامتة، دخل عليها عنصر الصوت، وعنصر الألوان، ثم المؤثرات البصرية، ثم جاء التلفزيون ليشكل ثورة في الصناعة أيضا، إلى أن وصلت إلى عصرنا هذا واستفادت كثيرا من الثورة الرقمية التي نقلتها إلى بعد آخر ومنحتها مساحة حرية كسرت الكثير من قيود المكان والزمان. لكن ورغم هذا التطور الكبير في صناعة السينما إلا أننا على أعتاب ثورة هائلة قد تجعل ما مرت بها الشاشة الفضية منذ ولادتها وحتى الآن مجرد بدايات. وتتمثل هذه الثورة في دخول الذكاء الاصطناعي كلاعب كبير سيغير قواعد اللعبة، ويقلب الأدوار ويمحو مواقع التصوير وينسف الميزانيات الضخمة ويضاعف الأرباح، ليس ذلك فحسب بل سيستطيع هذا اللاعب تحديد توجهات الجمهور ورغباتهم بدقة متناهية مما يقلص فرص فشل الأفلام ويرفع جودة الأعمال السينمائية. الذكاء الاصطناعي الذي لايزال في بداياته، سيحضر في كافة مراحل العمل ابتداء من الفكرة ومرورا بالكتابة وخلق المشاهد ومواقع التصوير والإخراج والمونتاج وصناعة الصوت والمؤثرات وغيرها، وهذا بطبيعة الحال سيقلص بشكل كبير من وظائف المبدعين في هذه الصناعة. كل ما سبق هو نتيجة حتمية وواضحة المعالم لدخول الذكاء الاصطناعي على جميع الصناعات، لكن تحديدا في الأعمال السينمائية فإن الثورة الحقيقية من وجهة نظري تشبه إلى حد كبير ما حدث في عالم الإعلام عندما اقتحمته منصات التواصل الرقمي كلاعب جديد؛ وحولت العمل الإعلامي من شكله القائم على جهات بث ومتلقي، إلى شكل جديد يتيح للكل التحول إلى وسيلة إعلام متنقلة تبث عبر هواتفها المحمولة، وبالتالي لم يعد الإعلام ممارسة محصورة على المؤسسات الصحفية. صناعة السينما ستتحول إلى نموذج مشابه، فبعد أن كان إنتاج الفيلم يتطلب مراحل شاقة وميزانيات ضخمة وتدار كصناعة من قبل كيانات وشركات كبرى، ستصبح عملية إنتاج الأفلام متاحة على المستوى الفردي يصبح الجميع قادرا على توليده ونشره بمساعدة الذكاء الاصطناعي الذي سيؤلف ويكتب ويخرج وينتج بحسب الأوامر التي تصدر له من قبل أي مستخدم. المعضلة الكبيرة التي يواجهها العالم مع الذكاء الاصطناعي في كل المجالات، هي هذه العلاقة المتشابكة من المحبة والكراهية، فمن الرائع الحصول على كل ما نريد بشكل سحري وعلى مسافة ضغطات أزرار محدودة، لكن في المقابل من المخيف أن نفقد أصالة الإبداع البشري وجماله ونعيش في عالم مزيف صنعته الروبوتات الذكية.