تقول إحدى الحكايا العربية القديمة إن كمية من القماش الأسود، كانت قد كَسَدَتْ عند أحد التجار، وامتنع عليه بيعها. فَطَلَب من أحد الشعراء ويدعى «مسكين الدارمي» أن ينظم في تلك «البضاعة» القماشية شعراً، يُحبِّب الناس بها، لعلّ هذا يساعد على رواجها وانفراج سوق تصريفها. قَبَضَ السيّد «الدارمي» ثمن تصميمه وتوليفه لصيغة «الإعلان» الترويجي، ونظم شعراً يقول: قُلْ للمليحةِ في الخمارِ الأسودِ ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبِّدِ قد كانَ شَمَّر للصلاة ثيابَه لمّا وقفتِ له ببابِ المسجدِ وهكذا، إلى آخر الأبيات المعروفة والمغنّاة أيضاً. وبسرعةٍ مذهلة، انتشرت القصيدة، وتناقلتها الألسن، وضجّ بها الرواة، فتراكضت النساء وتدافعت الصبايا، من كل الأعمار، على شراء القماش الأسود، لارتدائه ك»خمار» مميّز لافتٍ للنظر. وخلال وقت قصير، نَفَدَتْ كل الكميّة الكاسدة، ولم يبقَ لدى التاجر أي خرقة سوداء! وهكذا صُنِّفَت هذه القصيدة من ضمن فئة الشعر «التسويقي» واعتُبرت كأحد أعمدة وقواعد بدء تاريخ «الفن الإعلاني» العربي! بمرور الزمن وتطوّر الوسائل والأدوات وصلنا اليوم إلى ما يعرف ب»الانفجار الإعلاني الكبير»! حيث سيطر «الإعلان» على كل شيء من دون استثناء. وأصبح بفعل الحاجة إليه، ضرورة حياتية لأي نشاط تجاري، سياسي، اجتماعي، فني... ولقد استفاد «الإعلان» بعد أن تميّز كفن قائم بذاته، من جميع مبتكرات وسائل التواصل والاتصال، وركبَ متون كل التقنيات المرئية، المسموعة والمقروءة. واستغلّ الفن الإعلاني عبر مسيرته المزدهرة كل «الايحاءات» الجنسية، من دون خجل أو وَجَل أو حياء! حتى تفشّى كمرضٍ «وبائي» قهر كل «الأمصال» الأخلاقية، و»اللقاحات» الذوقية!! فامتلأت الشوارع ب»الاستاندات» الإعلانية، بأنواعها الثلاثة، المؤقتة والموسمية والدائمة. واجتهد بعض المصممين الإعلانيين فاستنبطوا «ستاندات» حديدية بقواعد عملاقة ثابتة في الأرض، مؤهّلة لأن تقاوم الزلازل وكل أشكال المدّ البحري! وبنتيجة انتشار «منصّات» الاعلان في الحقول وعلى ضفاف الأنهار والأوتوسترادات، وعلى الشواطئ، وفي كل مكان، فقد أنشئت من حولها وبقربها وتحت ظلالها المنتزهات لتمضية «العصريات». وسرعان ما أخذت هذه المطارح أسماءها الفنية، مثل: «ربوة الإعلان الأخضر»، «روضة الإعلان»، «جنة المعلنين»، «ملتقى الخلان والإعلان»!... إلخ. وكالعادة تُوِّجت هذه الرياض الإعلانية بالأراكيل ومناقل الشواء!