يترقب العالم بدء خفض أسعار الفائدة خلال العام الحالي 2024 بعد أن أبقى المجلس الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماع ديسمبر الماضي، وسط تزايد رهانات المستثمرين على أن البنك المركزي ربما وصل إلى نهاية هذه الدورة من رفع أسعار الفائدة، وتشير التوقعات إلى أن الفيدرالي قد يقوم بخفض أسعار الفائدة بمتوسط يبلغ 75 نقطة أساس في 2024، كانت التوقعات تشير إلى أن الخفض سوف يبدأ في نهاية الربع الأول إلا أن الأحداث الجيوسياسية في البحر الأحمر التي عطلت الملاحة البحرية وزادت من تكاليف الشحن، ربما تتسبب في تأجيل خفض أسعار الفائدة إلى ما بعد منتصف العام، في المقابل البنوك السعودية تفاعلت مع التوقعات التي تشير إلى خفض أسعار الفائدة وحققت ارتفاعات كبيرة في أسعارها وقادت صعود مؤشر سوق الأسهم السعودية إلى تجاوز مستويات 12 ألف نقطة، البنوك بدأت فعليا اعتبارا من شهر ديسمبر في تخفيض العوائد على الودائع الزمنية والادخارية إلى 5 %. في هذا التقرير نحاول أن نقيس أثر خفض أسعار الفائدة على البنوك السعودية بناء على تحليل ودائع العملاء وتوزيع القروض في محافظ التمويل حسب الرسوم البيانية المرفقة والتي تعطينا مؤشرات عن مدى تأثر كل بنك بخفض أسعار الفائدة، في البداية نرصد تأثير الودائع الزمنية والادخارية على هوامش الربحية، خلال التسعة أشهر من عام 2023، حيث دفعت البنوك السعودية أكثر من 58 مليار ريال عوائد على الودائع، البنك الأهلي دفع نحو 15 مليار ريال على أن الودائع المكلفة لديه لم تتجاوز نسبتها 28 % وبقية الودائع مجانية. أما مصرف الراجحي فقد دفع ما يقارب 12 مليار ريال عوائد على ودائع لأجل نسبتها 34 % من حجم الودائع، كما أنه البنك الذي يحتفظ بأكبر ودائع مكلفة على مستوى البنوك السعودية بنحو 188 مليار ريال، ولكن يبدو أنه يدفع عوائد أقل من البنوك الأخرى ما تسبب في تراجع قيمتها عن 202 مليار ريال في نهاية ديسمبر 2022. بنك الاستثمار من أعلى البنوك في نسبة الودائع المكلفة حيث تشكل نحو 65 % من حجم الودائع، يليه بنك الجزيرة بنحو 59 %، ثم مصرف الإنماء بنحو 53 %، بعض البنوك استفادت فعليا من ارتفاع نسبة العوائد على الودائع وتمكنت من جذب ودائع من بنوك أخرى ودفعت للعملاء عوائد أعلى من متوسط السوق ولكن لم تحقق فائدة جيدة من جذب هذه الودائع، ولذلك تأثرت نتائجها منها بنك الجزيرة الذي تراجعت أرباحه خلال التسعة أشهر من عام 2023 بنحو 14 % على الرغم من نمو محفظته الإقراضية بنسبة 17 %، البنك أعلن الأسبوع الماضي عن زيادة رأس المال بنسبة 25 % عن طريق رسملة جزء من الاحتياطي النظامي، لتدعيم القاعدة الرأسمالية للبنك مما سيساهم في تمكين البنك من تحقيق أهدافه الاستراتيجية ومنها التوسع في الإقراض وبالتالي ربما تنخفض لديه تكاليف الودائع وتتحسن هوامش الربحية إذا نجح في تنمية محفظته التمويلية، صافي محفظة التمويل المجمعة للبنوك السعودية تجاوزت في نهاية الربع الثالث 2.35 تريليون ريال 54 % منها قروض للشركات وأغلب هذه القروض بالفائدة المتغيرة، القوائم المالية للبنوك لم تذكر نسب محددة للقروض بالفائدة المتغيرة إلا الرئيس التنفيذي لبنك الرياض صرح بأن أن محفظة إقراض الشركات في بنك الرياض تميزت بأن نسبة 99.5 % منها بفائدة متغيرة، وبالتالي فإن أسعار الفائدة تتغير على العملاء تبعا لحركة أسعار السايبور، وهنا نستطيع القول إن جميع البنوك سوف تستفيد من خفض الفائدة على الودائع وخصوصا البنوك التي لديها ودائع مكلفة كبيرة، ولكن الاستفادة تكون أكبر للبنوك التي لديها قروض كبيرة بالفائدة الثابتة وخصوصا قروض الأفراد التي يستمر أثر الفائدة المرتفعة عليها على الأقل ثلاث سنوات قادمة ومنها مصرف الراجحي والبنك الأهلي أما البنوك المنكشفة على الشركات بالفائدة المتغيرة سوف يكون أثر خفض الفائدة سلبيا عليها إن لم تتمكن في زيادة الإقراض. مع ارتفاع أسعار الفائدة زادت العوائد على المنتجات الادخارية مما ساهم في تنمية ثقافة الادخار لدى الأفراد، البنك المركزي السعودي أيضا شجع البنوك على زيادة حجم مبالغ الحسابات الادخارية بعد أن أعطاها وزناً أكبر عند احتساب نسبة الإقراض إلى الودائع، مما جعل البنوك تتسابق في تنويع المنتجات الادخارية والتسويق لها لكي تستطيع التوسع في الإقراض، ولكن مع خفض أسعار الفائدة ربما تتخلى البنوك عن دفع عوائد جيدة تحفز العملاء على الاستمرار في الادخار، وهنا لا نطالب البنوك بدفع عوائد قد تسبب لها خسائر ولكن نطالب بعوائد تحافظ على استمرار وتنمية الحسابات الادخارية وتشغيلها في استثمارات بعائد أعلى قليلاً.